Are You Judging Me?! / د. مشاعل عبد العزيز الهاجري ‏23‏/01‏/2024

قياسي

Are You Judging Me?!

د. مشاعل عبد العزيز الهاجري

‏23‏/01‏/2024

نلاحظ أن أبناءنا الشباب تتكرر منهم عبارة “are you judging me?” المتداولة بينهم (لا سيما خريجي المدارس الأجنبية منهم)، و هي عبارة ترتكز على مفهومٍ يبدو طفولياً بسيطا، و معاصرا. و لكن حقيقة الأمر هي أن هذا المفهوم هو نتاج قديم للمسيحية، فقد جاء في الإنجيل: “لا تَدينوا لِئلاَّ تُدانوا. فكما تَدينونَ تُدانونَ” Do not judge, or you too will be judged  (إنجيل متّى 7: 1). كما أن الفكر العلماني، بعد الثورات الأوروبية في القرون الأخيرة، قد تبنى ذلك من خلال الفلسفة الفردية التي تُعلي من قيمة الفرد مقابل المجتمع. و مع ذلك، فحتى هذه الفلسفة توقِف الحرية الشخصية عند حدود المصلحة المجتمعية، بكوابح النظم و القانون، فلا تتعداها.

و عربيا، فلا شك أن عبارة “are you judging me?” الاستنكارية التي تصدر من المخطئ في الأماكن العامة – التي عادة ما يصاحبها تعبير الدهشة المفتعلة – لا تقصد إلا إلى إرهاب المُخاطَب بها، و أن الخضوع لهذا التأثير التخويفي لا يتماشى، أصلا، و ثقافتنا القائمة على الأدب و النقاش و الشجاعة و الصبر و التعلّم و ضبط النفس و سعة الصدر، و هي جميعها من قيمنا العريقة و المحدّدة لملامح مجتمعاتنا العربية.

أما إسلاميا، فلنلاحظ أن السماح للأشخاص بارتكاب الخطأ في الفضاء العام خوفاً من عبارة “are you judging me?” السمجة هو أمر فيه قطعٌ للطريق على مبدأ إسلامي أساسي هو الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. فقد قال تعالى “كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ” (آل عمران: 110)، وقال “وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” (آل عمران: 104)، و قال كذلك” وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ” (التوبة: 71)، كما ورد على النبي ﷺ قوله “والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بالْمَعْرُوفِ، ولَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّه أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلا يُسْتَجابُ لَكُمْ”. كل ذلك، على خلفيةٍ – لا شك – من الاعتدال و عدم التطرف، و الأهم: الحكم السليم (good judgment)، للموازنة بين الفضاءين العام (المجتمعي) و الخاص (الشخصي).

لذا، و إثر جميع ما تقدم، فمن التناقض أن نحرص طوال سنوات تربيتنا لأبنائنا على أن نربي فيهم مَلَكَة الحُكم السليم على الناس والأشياء (good judgment)، ثم نتركهم بعد ذلك رحمةً للإرتباك عندما يعترضون على خطأ يرتكبه أمام الجميع أحد قليلي الذوق و الحياء، ممن يتمترسون وراء هذه العبارة السمجة، فيسألون، بصوتٍ وقحٍ و عال:

  • “ماذا؟ هل أنت تطلق حكماً علي؟!” (are you judging me?).

و الجواب الذي ينبغي أن نعلّمه للأبناء هو الإجابة المؤدبة – و لكن الشجاعة و غير المتردّدة:

  • “طبعاً، و بالتأكيد!  أنا أحكم على تصرفك و أصمه بالخطأ، و لا أقبله. أما أنت – و مع كل الإحترام – فلا أعرفك كشخصٍ و لا تعنيني”.

بلي؛ نحن نحكم على تصرفات الأشخاص، و نعطي لأنفسنا الحق في ذلك، شريطة أن تكون مرجعياتنا سليمة: الأدب و الأخلاق و القانون و المجتمع و الدين … و المنطق.

أما عن كيف يُفترض بالأبناء معرفة الموازنة بين كل ذلك؛ فهذا دورنا كوالدين، و دور الزمن و الحياة.

سيتعلمون.

About redab70

Eltibas ... I am a Law Professor at Kuwait University School of Law. This page was initiated due to popular demand (ie pressure exerted on me by my students at Kuwait University School of Law!). The philosophy behind this page is to serve as an extension to my classroom. Most of what you read here is based / a follow-up of topics previously discussed in my lectures. Academically speaking, my blog posts are my ‘footnotes’.

أضف تعليق