Category Archives: اليهودية

المشكلة في شرائعنا (فرانز كافكا)

قياسي

imagesHOKUTKXOimageshokutkxo.jpg

 

المشكلة في شرائعنا

The Problem of Our Laws

 

 بقلــم: فرانــز كافكــا

Franz Kafka

ترجمة : د. مشاعل عبد العزيز الهاجري

redab70@hotmail.com

29 سبتمبر 2017

 


حول كافكا:

فرانز كافكا Franz Kafka (3 يوليو 18833 يونيو 1924): كاتب تشيكي كتب بالألمانية، و هو رائد الكتابة الكابوسية، فقد كانت حياته مليئة بالحزن و المعاناة. يعد كافكا أحد أفضل أدباء الألمانية في فن الرواية و القصة القصيرة. تعلم الكيمياء و الحقوق و الأدب في الجامعة الألمانية في العاصمة التشيكية براغ Prague (1901)، ثم عمل موظفاً في شركةٍ لتأمين حوادث العمل، حيث أمضى وقت فراغه فيها في الكتابة الأدبية التي رأى فيها هدفاً لحياته. نشر كافكا القليل من الكتابات خلال حياته، معظمها – بما في ذلك روايتي “الحكم” و “الغائب” الشهيرتين – نُشِرَ بعد موته على يد صديقه المقرّب ماكس برود، الذي – لحسن الحظ – لم يستجب لوصيّة كافكا له بأن يحرق كلّ كتاباته بعد موته.

حول هذه الترجمة:

فيما قد يذهب البعض إلى أن النص يدور حول القوانين/التشريعات، أراه – بالنظر إلى الخلفية الثقافية لكافكا و إلى مجمل كتاباته القلقة و المثقلة بموروثه الاجتماعي اليهودي – أراه ينصرف بشكل أدقّ إلى القوانين/الشرائع بدلالاتها الأوسع، مما يعني أن الأمر يتعدّى “القانون” بمعناه الفني المعاصر، إلى معناه الديني / التاريخي القديم. و لذلك، فقد اخترت أن أترجم كلمة “قوانين” في النص أدناه إلى “شرائع” (هذا، مع التنويه إلى أن في النص إسقاطاتٌ هامةٌ تتعدى الحالة اليهودية، بطبيعة الحال).

و بعد، فلما كان كاتبنا شخصية معقدّة (لم يكن الوضوح قط إحدى فضائل كافكا)، فأنا لا أملك إلا أن “أعتقد”  بصحة خياري الترجميّ هذا، دون أن يكون في استطاعتي أن أؤكده.

 

شرائعنا، عموماً، ليست معروفة، إذ تتكتّم عليها مجموعةٌ صغيرةٌ من النبلاء الذين يحكموننا.

نحن واثقون من أن هذه الشرائع القديمة تُدار بطريقةٍ دقيقة، و مع ذلك، فمن المؤلم جداً أن تتحكّم بالمرء شرائع لا يعرفها.

ليس ما أفكّر به هو التباينات المُحتملة التى يمكن أن تقوم نتيجة لتفسير الشريعة، و لا الأوضاع غير العادلة الناجمة عن كون حفنة قليلة من الناس – و ليس الجميع – هى من لها الرأى فى تفسير الشرائع؛ إذ ربما لم تكن لهذه الأمور أهميةٌ كبرى.

إن الشرائع قديمة جداً، و ما تفسيراتها الإ نتاج عمل قرون، بحيث أن هذه التفسيرات اكتسبت هى ذاتها صفة الشريعة بدورها. و رغم أن حرية التفسير مازالت متاحة، إلا أنها صارت مقيّدة جداً.

أكثر من ذلك، فليس لدى النبلاء سببٌ لأن يتأثروا فى تفسيراتهم بمصالحٍ شخصيةٍ معادية لنا، ذلك لأن القوانين قد وُضعت لمصلحة النبلاء منذ البداية، فهم أنفسهم يوجدون فى مركزٍ فوق الشرائع، و يبدو أن هذا هو السبب في أن تلك الشرائع قد عُهدت إليهم حصراً.

بطبيعة الحال، هناك حكمةٌ فى ذلك – و من ذا الذى يشكّ فى حكمة الشرائع القديمة؟ – إلا أن في ذلك أيضاً صعوبةٌ لنا؛ ربما كان هذا أمراً لا يمكن تجنّبه.

إن مجرد وجود هذه الشرائع، على أية حال، هو أمرٌ – فى أفضل الفروض – مُفترض.

هناك تقليدٌ يقضى بأنها موجودة و بأنها لغزٌ موكلٌ إلى النبلاء، و مع ذلك فإنها ليست – و لا يمكن أن تكون – أكثر من مجرد تقليدٍ قضى به الزمن، فجوهر أى شريعةٍ قديمةٍ هو أن تظل لغزاً. و قد كان فينا من من تصدّوا لدراسة تصرفات النبلاء منذ بداية الزمان بدقة، فصاروا يحوزون سجلاتٍ وُضعت من قِبَل أجدادنا – سجلاتٌ تابعنا نحن وضعُها بوعىّ – و هم يدّعون أنهم يتعرّفون – في الأعداد التى لا تُحصى من الوقائع – على صورٍ من الميل إلى السماح بهذه الصيغة التاريخية أو تلك. إلا أننا عندما نحاول أن نموضع أنفسنا فى الحاضر أو المستقبل وفقاً لهذه النتائج المُمحّصة و المنطقيّة، يُضحي كل شئٍ عندها غير مؤكّد، فيغدو كل عملنا و كأنه مجرد لعبةٍ فكرية، إذ ربما كان الأمر هو أن هذه الشرائع التى نحاول فكّ طلاسمها لا وجود لها أصلاً.

هناك من يؤمنون بهذا الرأي فعلاً، و هم يحاولون أن يبرهنوا أنه لو كان لأى شريعةٍ وجودٌ حقاً، فإن هذه الشريعة ستكون أياً ما كان النبلاء يفعلونه.

هذا الفريق لا يرى إلا الأفعال التحكّمية للنبلاء، و هو يرفض التقليد الشعبى الذى – وفقاً له – لا تتمتع هذه الشرائع إلا ببعض المزايا التافهة و العرضية التى لا تعوّض نقائصها، لأنها تعطى الناس أمناً زائفاً، خادعاً، و مفرطاً فى الثقة فى مواجهة الأحداث الجارية.

إن هذا أمرٌ لا يمكن إنكاره، إلا أن الغالبية العظمى من شعبنا يعتقدون بأن التقليد بعيدٌعن الكمال و أنه يستدعى المزيد من التمحيص، و أن المادة المتاحة – مهما بدت استثنائية – ما زالت فقيرة، و أن عصوراً عدة ينبغى أن تمرّ قبل ان تكون هذا التقليد وافٍ بشكل كاف.

هذا النظر – و أن كان غير مريحٍ فيما يتعلق بالحاضر – لا يخفّف من وطأته سوى الاعتقاد بأنه سيحين بالنهاية وقت سيصل فيه كلٌ من التقليد و بحثنا فيه إلى نهايتهما معاً، و لما كان سيترتب على ذلك أنه سيكون هناك مساحةٌ للتنفّس، فإن كل شئ سيصير عندها أكثر وضوحاً، و ستنتمى الشرائع الى الناس، فيما النبلاء سيتلاشون.

ان الأمر لا يعود إلى أن لى روحاً كارهةً للنبلاء؛ إطلاقاً، ليس الأمر كذلك. إننا إلى كره أنفسنا أميل، لأننا لم نثبت لأنفسنا بعد أننا جديرون بأن تُعهد إلينا هذه الشرائع.

و هذا هو السبب الحقيقى فى كون الفريق الذى لا يعتقد بوجود الشرائع قد ظل دائماً صغيراً فى حجمه، بالرغم من كون عقيدته الفكرية جذابةٌ جداً من نواحى عدّة، ذلك أنه يعترف بالنبالة و بحق من ينتمون لها فى الحياة.

فى الحقيقة، فإن المرء لا يمكنه أن يعبّر عن هذه الإشكالية إلا على صورة مفارقة:

أى طرفٍ يقوم بممارسة النقض – ليس فى مواجهة الشرائع فقط بل فى مواجهة النبالة كذلك – سيحظى بدعم جميع الناس، و مع ذلك فلا يمكن أن يوجد مثل هذا الطرف، لأن أحداً لا يجرؤ على نقض النبالة.

إننا نعيش على حدّ الموسى هذا. لقد اختصر أحد الكتّاب الأمر بهذه الطريقة:

من بين الشرائع المفروضة علينا، وحدها النبالة هي الشريعة الأكيدة و الواضحة لنا، فهل ينبغي أن نحرم أنفسنا من ذلك؟