Tag Archives: الحمدانيون

فخرنـا المتحيـّز بحضارتنـا المُجتَـزَأة

قياسي

د. مشاعــل عبــد العزيــز اسحــق الهاجــري

Mashael.alhajeri@ku.edu.kw

8 سبتمبر 2011

 –

كلما فاخرنا بالحضارة العربية الإسلامية أطنبنا بالحديث عن عهد الخلافة الأموية في الشام و العباسية في العراق، و قد يتوسع الشاعريون منا – أحياناً – في أمثلتهم و استشهاداتهم فيمدونها حتى تصل إلى الخلافة الأموية في الأندلس.

ممارستنا التاريخية هذه هي ممارسة مازوشية بامتياز، فقد كان من نتائجها أن حصرنا أنفسنا في زاوية ضيقة من زوايا العالم الفسيح الذي أورثتنا إياه الحضارة الإسلامية، و بقينا فيه لعقودٍ طويلة.

إن كانت مظلتنا الروحية “إسلامية” فعلاً و بصفة خالصة، فماذا عن إرثنا الذي أهملناه و الذي تركه لنا “المسلمون” – كل المسلمين – على امتداد حواضرهم، تاريخياً و جغرافياً؟

أتحدث هنا عن السامانيون في خراسان و البويهيون و الصفوييون في فارس و العراق و الإسماعيليون و المغول في شبه القارة الهندية و التيموريون في وسط آسيا و الشرق الأوسط و الأيوبيون و الحمدانيون في الشام و الإخشيديون و الفاطميون في مصر و السلاجقة في آسيا و الأناضول و الأدارسة العلويون في المغرب و المرابطون و الموحدون في الأندلس و الأغالبة في ليبيا وصقلية وسردينيا و كورسيكا و مالطة و غيرهم كثير.

كيف سقطت من ذاكرتنا الجمعية كل هذه الحواضر الإسلامية بشعوبها و أحداثها و آثارها و مفاخرها التي تستحق إلتفاتنا و وعينا الكامل، إن كنا فعلاً ننطلق من منطق إسلامي خالص لا تشوبه شائبة سياسية؟

لنتفق: نحن – كمسلمين –  معنيّون بالإرث الثقافي الشامل لكل تلك الحواضر الإسلامية، تماماً مثلما نحن معنيّون بشام الأمويين و بغداد العباسيين. هذا هو معنى أن تكون “مسلماً” – و مسلماً فقط – منتمياً لحضارة “إسلامية” واحدة، واسعة، كبيرة و ملونة.

يدرك ذوي الوعي منا، بوضوح، أن السبب القديم للتعتيم و التعمية التاريخيين على هذه الحواضر الغنية “الأخرى” لحضارتنا الإسلامية يعود بالدرجة الأولى إلى عرابيّ الفكر الديني المسيطر  و لاختلافاتهم المذهبية و السياسية مع الميراث التاريخي لهذه الدول من جهة، ثم  إلى التزام سياسيينا بالاعتبار العروبي القومي الضيق من جهة أخرى، و هو الأمر الذي الذي دفعنا ثمنه على شكل غيمة داكنة و كئيبة من الجهل، لفت بظلامها أجيالاً كاملة منا.

في خضوعنا غير النقدي لهذا الخطاب الإقصائي الذي نجح في إلغاء الجزء الأكبر من كياننا الحضاري، كم ضيقنا واسعاً، و أضعنا من تاريخنا المشرف، و ألغينا من جغرافيتنا الكبيرة، و أهدرنا من أسبابٍ مركبةٍ للفخر، و حرمنا أنفسنا من تراثٍ يدعم صورتنا الثقافية أمام الآخرين (أدب، فن، فكر، علم، فلسفة، رسم، موسيقى، رحلات، تجارة، اتصال ثقافي، روحانيات). كل ذلك تحت دعاوى المذهبيات الحزينة.

فكرتنا عن أنفسنا صارت بحاجة إلى مراجعة جذرية. ما أدعو له هنا هو النظر في تعريف هويتنا الدينية بواسطة إعادة رسم ملامحها ثم زحزحة حدودها التي تم إقناعنا – على خلاف الواقع – بأنها حدودنا. علينا فعلاً أن نوسع تلك الحدود توسعةً أفقية (جغرافية) و توسعةً عمودية (زمنياً).

أنا لا أدعو إلى إعادة فتح أبواب الماضي؛ ما أدعو له هو فتح جميع أبواب الحاضر و نوافذه على مجالنا الحضاري بأكمله. و بذلك، فإن دعواي هذه تنتهي بأن تكون دعوىً مستقبلية بامتياز.