د. مشاعل عبد العزيز الهاجري
14 مارس 2013
–
—
–
على قناة أمريكية، كنت أتابع مشهداً يقوم الشرطي فيه بالقبض على أحد الأشخاص مع إعلامه – في الآن ذاته – بحقوقه القانونية كمتهم. المشهد ليس جديداً؛ ففي ذاكرة كل منا مشاهد مماثلة شاهدناها في عشرات الأفلام و المسلسلات البوليسية الأمريكية. و مع ذلك، ربما كان من المفيد أن أبين أن هذا الإجراء المتمثل في تلاوة حقوق الموقوف عليه فور توقيفه له تسمية رسمية هي “حقوق ميراندا” (Miranda Rights) أو “تحذير ميراندا” (Miranda Warnings).
و التسمية مشتقة من قضية “ميراندا ضد أريزونا” الأمريكية الشهيرة التي جرت في ستينات القرن الماضي (Miranda v. Arizona, 1966). في هذه القضية، أُتهم ارنستو ميراندا بتهمتي الاغتصاب والخطف، إلا أنه دفع أمام المحكمة بأن كلاً من التعديل الخامس من الدستور الأمريكي (“لا يجوز أن يكون الشخص شاهدا على نفسه في أي قضية جنائية”) و السادس منه (“وجوب إبلاغ المتهم بطبيعة و سبب الاتهام و بحقه في توكيل محامي لمساعدته للدفاع عن نفسه”) يكفلان له حقوقاً أساسية معتبرة، و بأن حقوقه الدستورية هذه قد انتُهكت من قبل الشرطة لأن أفرادها لم يقوموا بتلاوة حقوقه تلك عليه إثر توقيفه.
اعتدّت المحكمة بدفع ميراندا هذا و اعتبرته دفعاً جدياً، فقررت إعادة محاكمته. و رغم أن الموقف قد انتهى بالنسبة لميراندا بثبوت التهمة عليه في المحاكمة الثانية ليُحكم عليه بالحبس لمدة تزيد عن عشرين سنة، إلا أنه قد دخل التاريخ الحقوقي مع ذلك من خلال قائمة حقوق الموقوفين هذه التي صارت تحمل اسمه: “حقوق ميراندا”. لقد استقرت التسمية في الممارسة القضائية الأمريكية حتى ان عملية تلاوة تلك الحقوق دخلت القاموس القانوني الأمريكي باعتبارها لفظٌ يعبر عن فعل (Mirandize).
عندما أطلق سراح ميراندا، صار يكسب عيشه من خلال بيع أوتوغرافه (كان عناصر الشرطة من جميع أرجاء الولايات المتحدة يبعثون له ببطاقات “حقوق ميراندا” – التي كانت تصرف لهم لقراءتها على المتهمين – حتى يوقعها و يعيدها لهم بريدياً). أما المفارقة الكبرى، فهي أن ميراندا – الذي لم تُتْلَ عليه حقوقه حين القبض عليه – أفرج عنه إفراجاً مشروطاً، إلا أنه وجد بعدها مقتولاً بطعنة خنجر في إحدى الحانات، لِتُتْلَ على قاتله ذات الحقوق التي لم تُتْلَ عليه، و هو من اعطاها إسمه!
على أية حال، ففكرة تلاوة حقوق المتهم عليه بصيغة واضحة و موحدة فور توقيفه ليست حكراً على الممارسة القانونية الأمريكية وحدها، إذ تتبناها الآن كثير من الدول في التشريعات الجنائية المقارنة (أستراليا، إسرائيل، تايلاند، هونج كونج، و عداها). كما أن هناك مساعٍ تبذل حالياُ على مستوى الاتحاد الأوروبي لاعتماد وثيقة حقوق مشتركة من قبل البرلمان الأوروبي (سميت بـ “وثيقة حقوق ريدنج” نسبة إلى المفوّضة “فيفيان ريدنج” التي اقترحت موضوعها). من المزمع أن تفعّل هذه الوثيقة الأوروبية بنهاية عام 2013، و سيترتب عليها إلزام عناصر الشرطة بتقديم نسخة مطبوعة من هذه الحقوق إ لى الموقوفين بحيث يكونون على بينة تامة من حقوقهم قبل الشروع في استجوابهم.
كان هذا ما سردته على إبني ذو التسع سنوات حين كنت أتابع المشهد التلفزيوني معه. عندما فرغت من سردي الممل هذا، سادت بيننا لحظة صمت قصيرة، ثم قال:
“أوكي. عادي نطلب بيرجر كنج؟”
–
–