Tag Archives: جيمس مادسون

الأوراق الفيدراليـة: عـن منطـق المسلّمـات

قياسي

الأوراق الفيدراليـة: عـن منطـق المسلّمـات

– 

د. مشاعــل عبــد العزيــز اسحــق الهاجــري

Mashael.alhajeri@ku.edu.kw

23 مايو 2011

 –

الكسندر هاملتون Alexander Hamilton

الكسندر هاملتون Alexander Hamilton

قبل أن تقرر أن تأخذ أي خطاب سياسي على محمل الجد (أياً كان مركز الشخص الذي صدر عنه هذا الخطاب)، اقرأ الفقرة التالية من كتاب “الأوراق الفيدرالية” The Federalist Papers، الذي نشر في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1788، و هي بقلم الكسندر هاملتون  Alexander Hamilton (1755-1804). و هاملتون هو أحد واضعي الدستور الأمريكي، أول وزير لمالية الولايات المتحدة، و مؤسس البنك الأمريكي المركزي، و تظهر صورته حالياً على العملة الأمريكية فئة 10 دولار.

في تلك الفقرة، يتحدث هاملتون عن فكرة “المُسَـلّمـات” المنطقية، فيقول:

“في جميع أنواع المقولات هناك حقائق أساسية معينة، أو مبادئ أولية عليها تعتمد المناقشات القديمة اللاحقة. تلك الحقائق في ذاتها، هي التي تتحكم في قبول العقل لأية فكرة أو ترابط فكري. وحيث لا تتحصل هذه النتيجة، فإن ذلك لا بد أن ينشأ إما عن بعض الاضطراب في الحواس المدركة، أو من تأثير المصلحة الخاصة أو الهوى أو من التحامل.

من هذا النوع هي المسلّمات في الهندسة بأن الكل أكبر من كل من أجزائه، وأن الأشياء التي تساوي الشئ نفسه أشياء متساوية، وأن الخطين المستقيمين لا يحصران حيزاً محدوداً، وأن جميع الزوايا القائمة تساوي الواحدة منها الأخرى. ومن النوع نفسه تلك المسلّمات في علم الأخلاق والسياسة، مثل لا معلول بدون علّة، وأن على الوسيلة أن تكون متناسبة مع الغاية، وأن كل صلاحية يجب أن تعادل الهدف المنشود من ورائها، وأنه لا يجوز أن يكون هناك تقييد لسلطة تكلّف بأن تحقق غرضاً تعجز هي عن تحديده.

و هناك حقائق أخرى في مجالي العلمين هذين، قد تقصّر عن الارتقاء حتى تصطف ضمن فئة المسلّمات لكنها تظل مشتقات مباشرة منها، وواضحة في ذاتها، ومقبولة تماماً لدى ما يمليه طبيعة الحس العام البسيطة وحتى أن تلك الحقائق تتحدى موافقة العقل السليم وغير المتحيز وبدرجة من القوة والتقبّل تجعلها قاهرة لا يمكن مقاومتها.”

و كتاب “الأوراق الفيدرالية” The Federalist Papers الذي أخذت منه هذه الفقرة فهو مرجع شهير في الفلسفة السياسية (political philosophy)، وضعه ثلاثة من أعلام الفكر السياسي الأمريكي وهم جيمس ماديسون James Madison و الكسندر هاملتون Alexander Hamilton و جون جاي John Jay، و ثلاثتهم من الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية. و هو عبارة عن تسجيل لخلاصة نقاشات عامة فُرِّغـَت على شكل مقالات كتبها الثلاثة بالتناوب، و وقعوها جميعاً باسم مستعار هو “بابليوس” (Publius). و قد شكلت هذه المقالات، في حقيقتها مشروعاً تثقيفياً شعبياً، يتوجه الحِجاج فيه نحو تأييد قيام حكومة اتحادية (فيدرالية) قوية تنصهر فيها جميع الولايات، مع تهدئة المخاوف بشأن حدود سلطات تلك الحكومة المركزية في مواجهة حكومات الولايات المكونة لها.

و بذلك، فقد ركزت هذه الأوراق على مناقشة الشكل المقترح للاتحاد بين الولايات و القاصد لتأسيس لدولة الأمريكية الجديدة (توزيع السلطات / آلياتها / أجهزة الدولة / الحقوق والحريات / إلخ)، و هي استحقاقات قامت الحاجة لمعالجتها إثر الثورة الأمريكية ( 1763-1783). و يبلغ عدد هذه المقالات 85 مقالاً (أو “ورقة”)، نشرت جميعها في صحف المحلية لولاية نيويورك في الفترة من 1787 إلى 1788. و رغم ذلك، فإن المعني بالخطاب فيها كان الشعب الأمريكي بأسره.

يذكر أن النقاشات التي تضمنتها “الأوراق الفيدرالية” قد بنت أساساتها الفكرية القوية على الموروث الفلسفي الأثيني و الاسبارطي و الروماني، مما يعنى أن الثورة الأمريكية استفادت من هذا الفكر بما جعلها تعيش بمنطق الاتصال الحضاري، لا القطيعة.

حول العالم، يمثل هذا الكتاب قراءة أساسية في “المنطق السياسي”، لا سيما فكرة “المُسَـلّمـات” (Axioms)؛ تلك البديهية الذهنية، ابنة الفكر المتمدن، التي ما تفتأ تنسينا إياها عبثية سياسيينا الصغار، لتذكّرنا بها جدية أطفالنا الكبار.

 –