Tag Archives: مشاعل الهاجري

بيــــن الإبحــار والغــــرق: مقاربــة لمــا بعــد الحداثــة فــي الفكــر القانونــي العــربــي / د. مشاعل عبد العزيز الهاجري – الكويت 2023

قياسي

بيــــن الإبحــار والغــــرق:

مقاربــة لمــا بعــد الحداثــة فــي الفكــر القانونــي العــربــي

د. مشاعــل عبــد العزيــز الهاجــري

‏الكويت، 2023

هَل صَحَّ قَولٌ مِنَ الحاكي فَنَقبَلَهُ

أَم كُلُّ ذاكَ أَباطيلٌ وَأَسمارُ

أَمّا العُقولُ فَآلَت أَنَّهُ كَذِبٌ

وَالعَقلُ غَرسٌ لَهُ بِالصِدقِ أَثمارُ

– أبو العلاء المعري.

لمصطلحي “الحداثة” (Modernism) و “ما بعد الحداثة (Postmodernism) طبيعة إشكالية. وإذا كان الأول أكثر انضباطا بسبب ارتباطه بالمسيرة التنويرية وتعبيره عنها، فإن الثاني يخالطه ارتباك كبير، من حيث ما ينطوي عليه من تشكك في مكونات العالم الواقعي، رفض السرديات الكبرى، نقد المركز لصالح الأطراف، حمد الغموض الخلاق، نبذ الشمول لصالح التعدد، ارتباط المعنى بالاستعمال اللغوي، وعداها. ويبدو الأمر أكثر تعقيداً في الثقافة العربية، بالنظر إلى ما مرت به هذه من اضطرابات تاريخية وآيديولوجية ومعرفية.

وفي حين تزخر العلوم الإنسانية بالتناولات ما بعد الحداثية، فإن الحقل القانوني يبدو قاحلا وفقير الإنتاج، لا سيما في منطقتنا من العالم، التي لا تبدو مصنعة لهذه الاتجاهات بقدر ما تبدو مستهلكة لها، سواء كما ظهرت في أوروبا القارية أو كما تطورت في العالم الأنجلوسكسوني. ولا يتعلق الأمر بظهور مذاهب فقهية قانونية ما بعد حداثية مباشرة، وإنما بانعطاف فكري ضمن الحقول المعرفية الإنسانية الأخرى، تم استيراد تقنياته واستزراعها في حقل القانون، إما لأغراض سياسية (وهو الشائع) أو من قبيل الترف الفكري التجريبي أحيانا (وهو الأقل ذيوعا، على أن فائدته الأكاديمية كبيرة).

فتعقيد أدبيات القانون -هذه الأرض المجهولة و غير المكتشفة للكثيرين (terra incognita)- يعزى إلى أمور عديدة (كاللغة والتشريعات و الأحكام القضائية)، هو أمر ينتهى إلى أطنان من المعلومات المتراكمة، تؤدي في أحيان كثيرة الى سوء فهم للقانون، ناهيك عن تركيبه المتداخل القائم على المعايير والأنساق. يضاف إلى كل هذا التعقيد ما يقدمه القانون للحياة العامة من أفكارٍ يصعب تمثلها عقليا (كالشخصية المعنوية والعدالة الانتقالية مثلا). وبذلك، فمعرفة الناس بالقانون عموما هي معرفة سطحية نوعاً ومشتتة تناولا.

فحتى القرن العشرين، سادت الوضعية القانونية الصرفة (Positivism) التي تتطلب الفكر النسقي الواضح، وكان لها أثر كبير على النظم القانونية الأوروبية. كان من نتيجة ذلك أن العدالة، رغم أنها صارت غير غائبة عن القانون، إلا أنها أصبحت “مستغرَقة” فيه (بل وقد تتراجع عنه خطوة الى الخلف أحيانا، إن تطلبت اعتبارات التنظيم أو الاستقرار ذلك). هكذا، فقد صار للعدالة، كما يقدمها القانون، معنى إجرائي/ ميكانيكي، وغير عادل بالضرورة (قواعد التقادم و عدم سماع الدعوى بمرور الزمان مثالا). ورغم ذلك، فبالمقارنة بالمرجعيات الأخرى من أدوات ضبط اجتماعي (كالأخلاق والدين والعرف والقانون الطبيعي بمعانيه المتعالية)، تظل المسطرة المنضبطة والموضوعية الوحيدة التي يمكن أن يحتكم إليها المجتمع في فوضى المنظور الشخصي للأمور، والذي يختلف من مرجعية لأخرى، هي مسطرة القانون وحده. بذا، أصبح القانون يصنف باعتباره حقلاً معرفياً معياريا، فهو يعنى ببيان المفروض، لا الكائن.

هذه الصفة المعيارية للقانون تجعله من أدوات الحكم التي تسمح بتوجيه المجتمع وتشكيل السلوك فيه، من خلال القواعد المستقاة من نصوص التشريعات وأحكام المحاكم. بالفعل، لقد شبهت هذه بأنها “المادة الخام للقانون”. ويمكن هنا القول بأن القانونيون يمارسون -من خلالها- دورا هو إلى الهندسة أقرب، من حيث أنهم يصممون البنى الاجتماعية بصورة تماثل دور المهندسين في تصميم البنى المادية. وللمتأمل أن يرى بوضوح أن أدوات القانون كالعقود، الشركات، الصناديق الاستثمارية، التشريعات والدساتير، ماهي سوى مبان، جسور، طرق، وسكك حديد للحياة الاجتماعية.

يجد كل ذلك قواعده في فكر “الحداثة”، المرتكزة على اشتغالات ديكارت؛ ذاك الذي غير مسار الفلسفة فخرج بها من غموض الميتافيزيقيا الى نشاط الإبستومولوجيا. لقد قعّد ديكارت المعرفة من خلال رفض أي ادعاء ينطوي على الجزم من دون إستناد إلى دليل عقلي واضح ناتج عن بحث، شك منهجي، تفكير انتقادي، تجربة، برهان وعلاقات موضوعية. كان نتاج كل ذلك هو ترسيخ فكرة العقلانية الموضوعية كسبيل نحو تحصيل الحقيقة.[1]

استقر هذا الفكر العقلاني واتسع بعد ذلك على يد آخرين في مغامرة إبستومولوجية رائعة نحو توليد المعنى، شكّلت مراحل مفصليّة في تاريخ الفكر الغربي، لينتهي الأمر معه من نظر قديم يرى الكون متمركزا حول الخالق إلى آخر حديث صار محوره هو الإنسان. أحيط ذلك بظروف “توليدية” قادت لنضوج المرجعيات الفكرية للمجتمعات، كعصر النهضة، الإصلاح الديني، الصراع ضد الإقطاع وسلطة الكنيسة، وعداها من أوهام أو عوائق كانت تمنع الإنسان من الاستخدام الأمثل لعقله،[2] ليحل محلها محركات فكرية كالنزعة الإنسانية والتنوير والثورات التغييرية، ومن ثم انتشر ما نجم عنها من تحولات مست العالم ككل، من خلال المثاقفة والتجارة والملاحة والاستعمار.

وبالرغم من غموض بدايات الفكر الحداثي الذي قاد لكل ذلك، فهناك العديد من المواقف المرشحة لأن تعتبر -مجتمعة- شرارته التاريخية، مثل اختراع جوتنبرغ للمطبعة (1440)، الفتح العثماني للقسطنطينية (1453)، الاكتشاف الكولومبي لأمريكا (1492)، تعليق لوثر لأطروحاته على باب كنيسته (1517) إنشاء شركة الهند الشرقية (1600)، ناهيك عن الثورات الدينية والصناعية والفرنسية والأوروبية. من خلال هذه، وأخرى كثيرة، صار الطابع الحداثي يغلب على القانون، بما هو علم.

و هكذا، ففي حين بدأ القرن الثامن عشر فضولياً يتلمس طريقه بين الخيطين الأسود و الأبيض، فقد انتهى كباحث متمكن يحتكم على قدرات هائلة من التفسير و الفهم، لم تتح له من قبل. في هذه المرحلة المثيرة من الزمن، شرعت الأبواب واسعة أمام العقل البشري. كانت الحداثة، بما جاءت به من عقلانية و تنوير، بوابة للحضارة.

ومع ذلك، فإن الحربين العالميتين وقسوة رأس المال واغتراب الصناعة والضمور الأخلاقي والارتباك الديني وتوترات السياسة واختلال البيئة، كل ذلك أدى إلى فتوحات فلسفية عديدة رمت بمنجنيقها على هذه البوابة حتى تخلخلت مفصلاتها، أو كادت.

لقد بدأ الأمر بـ “كبار الشُكّاك”: ماركس ونيتشه وفرويد، الذين أدخلوا الفكر إلى عصر التداخل واللبس والاشتباه بعد أن أعملوا معاولهم الفكرية -بعنف- في العقل والعلم والإنسان والتقدم وجميع الوعود التي جاءت بها الأنوار[3] (كان فوكو في مقدمة كتابه “الفلسفة في العصر المأساوي الإغريقي” يتحدث عن ثلاثي الشك هذا وما تسبب به من “جرح نرجسي” للفكر الغربي). وجاءت الوجودية بعد ذلك (التي يقال أنها الأساس الفلسفي لما بعد الحداثة) فأربك الفرنسي سارتر و الألماني هايديجر المشهد أكثر حين أصرا على دعاواهما النسبية في أن “ما هو حقيقي بالنسبة لك، قد لا يكون كذلك بالنسبة لي”.[4] ثم تبعهما آخرون مثل فتغنشتاين (اللغة تعيق الحقيقة)، وفوكو (الخطاب لا ينفصل عن السلطة)، ودريدا (هذا التفكيكيّ المزعج الذي شرّح كل نص وكشف كل كلمة في سياق لا متناهٍ من مناقضة السائد).[5] استمر ذلك مع كثير عداهم: فسادَ الشك، و زُعزِع الأمان الفكري، ورُبطت الحقيقة باللغة، وانتقل النظر من سكينة الموضوعية إلى قلق الذاتية، وخضعت السرديات الكبرى لمباضع الجراحات الفكرية.

لقد تضعضعت الحداثة، بما هي بوابة للحضارة، وأشرعت على مصراعيها، وتجمّع في الأفق شيء جديد، غامض، وصارت الأرض مفتوحة للغزاة القادمين الذي أتوا بأسلحة ثقيلة من الأفكار التي ظلت كامنة لعقود طويلة: مفكرو ما بعد الحداثة. أصبح القرن العشرون زمناً للمعركة ومكانا لها.

كان القتال عنيفا. و مع القتال، غموض: مكر فكري؛ ممتع ومغامر ودجال وصادق وعبثي وخطر. في الأمر ما يذكر بوصفة اليسوعي الأسباني بالتزار جراسيان التي وضعها في القرن السابع عشر: “أحط أعمالك بشيء من عدم الوضوح … إخلط قليلا من السحر مع كل شيء؛ عندها، ستثير الإجلال”.[6] هناك من كان يقرأ جراسيان، على ما يبدو. تحفل أغلب الأعمال ما بعد الحداثية بعدم الوضوح المفاهيمي واللغة الملتبسة كأدوات حاضرة دائما. الأمر يسوق كاحتفاء بالاختلاف وكشف لآفاق جديدة.

ولكن حتى الفكر ما بعد الحداثي ذاته لا يعرف -تحديدا- ما المراد بـ “ما بعد الحداثة”؛ كل ما يعرفه هو أنه قلق، متشكك، ويشير بأصابع الملامة إلى المركز، كي يحل محله المهمش والمقصي ومتطلبات المرحلة وكل ما هو ممكن ومحتمل، بل ولامعقول. هناك قناعة بوجوب التوقف عن وهم المعنى الأوحد/المرجعية وإفساح المجال لـ “الحقائق” العديدة؛ لا الحقيقة الواحدة. ولكن هل الأمر جديد فعلا؟ ألم يؤثر عن هربرت سبنسر أيضا أنه كان “يعدل مبدأه، ثم يعيد تعديله بحيث يصبح قانونا فضفاضا ينطبق على أي شيء، حتى يخالجك الشك في أن عكس القضية قد يكون صحيحا أيضا”.[7] بلي: الأمر مع ما بعد الحداثة جديد، فقلق سبنسر هو قلق معرفي يهدف إلى البقاء بداخل العقلانية لا خارجها، في حين يقلق ما بعد الحداثيون لأنهم يرومون القطيعة عنها.

ما عاد العقل ضامناً للحقيقة.

كان لا بد لذلك أن يحدث. فالدول المعاصرة، وإن كان كل منها يشكل كيانا عضويا واحدا، إلا أنها ذات طبيعة تعددية، فتتولد عنها الكثير من المجتمعات الفرعية. ووفقا لهذه، فإن القانون -بعكس طبيعته الحالية المنغلقة على نصوص جامدة تطل علينا من منظور مهيمن- ينبغي أن يكون نظاما مفتوحا، متجددا، مستوعبا للتغيرات: “قانون حي” ذو موقف إبداعي. لذلك، فإن الفقه القانوني ما بعد الحداثي ينتقد العقل القانوني التقليدي المرتكز على مبادئ ثابتة شكليا (التراتبية القانونية) وموضوعيا (قيم الحق والعدالة والمساواة الخ) وما ينتج عن ذلك من فرض للتجانس والتوحيد الثقافيين، ويقصد لتقويض ذلك واستبداله بالتنوع الذي يفسح المجال لإطلاق الحركات المقيدة من عقالها.

لنتفق، بداية، على أن ما يعرف بـ “ما بعد الحداثة” ليست بنظرية أو مذهب أو حتى محتوى؛ إنها “تقنية”، أو -إن شئت- منظور إلى العالم: ممارسة جمالية تتناقض مع “النظرية الكبرى”، أو الأنماط الهيكلية أو المعارف التأسيسية، فهي لا تقدم نظريات بديلة، وإنما -بشيء من التشاؤم المعرفي والعدوانية المنهجية- تلفت النظر إلى الزوايا والأطراف وكل ما هو بعيد ومغيب فتتنادى بالالتفات إليه (كحقوق المهمشين والمستبعدين والأقليات مثلا). كما أنها، في كثير من الأحيان، ليست بالكتابات القانونية (أو حتى السياسية حقيقة) بقدر ما هي كتابات ضد السلطة، تتسم -في كثير من الأحيان- بشيء من الفوضوية واللامعيارية،[8] لتحلق في فضاءات العلوم الاجتماعية وتستكشف أراضٍ جديدة على الحدود الفاصلة ما بين الحقول المعرفية، لا سيما تلك الكائنة بين السياسة والقانون.

 لقد جاء الفكر ما بعد الحداثي ليكون بمثابة محاولات تمرد على السلطة وتحد لها من مصادر متعددة (فلاسفة / حركات سياسية / تجمعات نسوية / حماة للبيئة) ولكنها موجهة دائما نحو الحداثة كهدف، وهي مساعٍ تشككية أحيانا وتفكيكية أحيانا أخرى، بتساؤلات أنطولوجية تسائل المعنى دائما، و تقصد إلى تقويض ما يسم الحداثة من مركزية أو أسس أو أنساق أو مسلمات عقلانية متولدة عن عصر التنوير.[9] لقد كان الاستنتاج الذي لا مفر منه هو أن “كل فهم للحقيقة لا يكون إلا بدلالة التاريخ و الثقافة”. فلا قيم عالمية إذا؛ بل الأمور نسبية، يحددها ظرفا الزمان والمكان دائما. وهكذا، فإن الكاتب ما بعد الحداثي هو فيلسوف يعمل من دون نظرية أو قواعد.

لن نجد للأمر تعريفا قاموسيا مريحا، لأنه ينطوي على معضلة فكرية، إذ قد يفقد المرء معني “ما بعد الحداثة”، فتتفلت من يده، إن هو حاول وضع تعريف لها. فلفظ “تعريف” بحد ذاته هو لفظ “حداثي” بشكل ما بما هو يضع أطارا لمفهوم ويؤسس لفكرة، مما يؤدي لثباتها ومن ثم جمودها، وهو ما يتناقض والفكر ما بعد الحداثي الذي ينفي وجود الحقائق الموضوعية. يا لها من أنتروبيا فكرية حقيقية.

من هنا، فإن من سمات السرد ما بعد الحداثي هو أن المبادئ الإنسانية الكبرى للقانون -كالحق والعدل والمساواة- وإن كانت محايدة نظريا إلا أن مفاعيلها قد لا تكون كذلك بالضرورة، كما أن المعاني سياقية، والأمر مرهون دائماً بالبوصلة والاتجاه ومعادلات المال والسلطة. “من يملك العملة يمسك بالوجهين / والفقراء بين بين”؛ كما كتب أمل دنقل في الستينات.

هكذا، ينبغي الاعتراف بأن القانون ما هو -في جانب معتبر منه-إلا منتج للإملاءات السياسية المرحلية، و من ثم فهو تعبير مكثّف عن ميزان القوى المجتمعي. يذكرنا الأمر بصيغة هوبز الكلاسيكية التي تقول أن “السلطة -لا الحقيقة- هي ما يصنع القانون” (auctoritas non veritas facit legem). لقد كشفت ما بعد الحداثة عن القلب المظلم للحداثة: إرادة القوة. في درسه الجامعي الأول فيCollège de France ، حذر الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو الحاضرين مما له من سلطة عليهم، و المخولة له فقط لكونه يقف على المنصة: لقد نبه إلى “الموقع” وعلاقته بـ “السلطة”.

من جميع هذه المقدمات، يستدل ما بعد حداثيو القانون على أن القانون لا يعدو أن يكون إطارا شرعيا لتكريس أشكال الهيمنة داخل المجتمع، سواء كان ذلك من أجل تكريس عرق أو طبقة أو مصلحة أو توجه، وأنه أبعد ما يكون عن أن يصلح إطارا موضوعيا صالحا للفصل في الخصومات.[10] في سبيل ذلك، هم يرفضون الوضعية القانونية باعتبارها إمبراطورية للهيكل، من حيث أن التمسك بها ينطوي على إهدار لقيم العدالة المتحركة، المتفلتة.

لما كان لهؤلاء الغزاة ما بعد الحداثيين ترسانة كاملة من الأسلحة الفكرية الثقيلة التي يوجهونها نحو الحداثة بقصد ضرب جدرانها الركينة، بجدوى تارة و من دون جدوى تارة أخرى، فقد قاد ذلك إلى التشكيك بما أسماه الفيلسوف الفرنسي جان فرانسوا ليوتار بـ “السرديات الكبرى” (meta-narratives)،[11] و هي النظريات الشمولية أو الأنساق الفكرية من قيم و دين و فلسفة وعداها، و التي تتمثل بداخل القانون بالمناطق الحرجة فيه (كالملكية وحقوق الإنسان مثلا)، فتزيل عنها كل ما يخالطها من مفاهيم وموثوقية.

يتعلق بالأمر بـ “تفكيك” هذه الأفكار الكبرى لخلخلة السائد، ثم إعمال معاول الهدم فيها للخروج بمفاهيم جديدة، حتى ينتهي الأمر باختلاف وتعددية بل وعشوائية (وربما لا معنى أيضا)، لتصير كل أطروحة محض سياقية. والتفكيك -و إن كان ليس سيئاً دائما بالضرورة- إلا أنه مزعج، و مشظي، كما أنه يمكن أن يضيع الصورة الكبرى لصالح مكوناتها. في القرن الثالث عشر، كان الرحالة الإيطالي ماركو بولو يصف أحد الجسور لخاقان المغول كوبلاي خان، حجراً حجراً. فسأل كوبلاي خان: “و لكن على أي من هذه الحجارة يستند الجسر؟”، أجاب بولو: “الجسر لا يستند على أي حجرٍ بذاته، بل على القوس الذي تصنعه الحجارة”. بقي كوبلاي خان ساهماً لفترة، ثم قال: “فلماذا تحدثني عن الحجارة إذا؟ القوس هو ما يهمني”. رد بولو: “لأن من دون هذه الحجارة لا وجود للقوس”.[12] يحول التفكيك القوس الى حجارة، و هو يظل يفعل ذلك إلى أن يضيع القوس، فلا يتبقى لنا إلا هذه الحجارة. لو كانا بيننا اليوم، لكان كوبلاي خان حداثيا، وكان بولو ما بعد حداثي.

وهكذا، فإن الاشتغالات القيمية لما بعد الحداثة لا تملك فكرا متعاليا، بل تتعلق -بالدرجة الأولى- بموضوعات راهنة ومحددة، مثل النسوية وحقوق الأقليات وحرية التعبير وحقوق المرأة وأوضاع المثليين والإجهاض والموت الرحيم والطب الحيوي والذكاء الاصطناعي والفوضى الجينية والتعددية الثقافية والمشكلات البيئية و ما شابه.

تطبيقاً لذلك، فإن فكرة الملكية كما ظهرت في القانون المدني الفرنسي لسنة 1804 هي -وفق الفكر ما بعد الحداثي- لا تعدو أن تكون تعبيرا مباشرا عن الفكر البرجوازي الحداثي، إبان صدور هذا القانون، ونظرته إلى الملكية كقيمة عليا تتطلب أقصى أنواع الحماية، مما يعني أن أغلب بقية أفكار القانون المدني هي مجرد أسوار حامية لها (كالعقد والمسئولية التقصيرية)، و هي الفكرة التي بدأت، لذلك، بالتفكك و التحلل تباعاً مع دخول الأفكار الاجتماعية إلى الفكر العام (كالتأمينات الاجتماعية أو حماية العمال مثلا).

ورغم كل ما تقدم، فهناك من يقول بأن ما بعد الحداثة ما هي إلا خلف راديكالي مكثف للحداثة ذاتها (بطريقة تاريخية خطية)، بحيث أن الواحدة منهما لا تعدو أن تكون في حقيقتها الجانب الآخر للثانية. ربما كانت أطروحة “يانوس” هذه -الكائن الأسطوري متعدد الأوجه- تستحق التفكير.

في تناوله لما قد يشوب القانون من تحديات، يتحدث دريدا بطريقه لا تعبر عن رضاه عنه: بالنسبة له، هناك “شيء ما متعفن في القانون، وهو شيء إما أن يدينه أو يدمره ابتداء”،[13] كما أن نسق القانون الحديث يعاني من “مرض المناعة الذاتية”، وهي تتهدده من داخله.[14] لذلك، ووفقاً له، فإن التفكيك سيكون في مكانه الطبيعي بل “في بيته” في كليات الحقوق، أكثر منه في أقسام الفلسفة أو الأقسام الأدبية.[15]

هكذا، يتضمن المنظور ما بعد الحداثي فكرة تجزيئية للقانون. فدريدا، مثلا، ينادي بـ “التفكيك” حلا؛ ابتداء من المناخ السياسي و انتهاء الى شخصية القاضي. أما بالنسبة لجيل دولوز و فيلكس غوتاري، فيتعلق الأمر بفكرة “الجذمور” (rhizome)، و هو مفهوم فلسفي مستقى من علم النبات، يفيد التعددية و التمدد و الاتصال بطريقة أفقية من دون أصل مصدري، بالمقارنة بالنموذج الحداثي الأشبه بالشجرة التي تمتد رأسياً و خطيا (ربما كانت الإنترنت مثالا على الجذمور، فيما المؤسسات القانونية -بهياكلها الإدارية المتفرعة- نموذجا شجريا ملائما).

و كل ذلك، و عداه، هو وعاء لأفكار مقسمة كبرى، مثل العدالة العريضة و المنظور الفقهي الواسع و الحقيقة النسبية و التفرقة بين صنع القانون و إنفاذه و الفكر القضائي الذي لا يغفل التعدد الثقافي و تباين الخبرات و تعارض الإرادات، و عداها.

المنطق لا يلتوي لوحده؛ هناك من يجب أن يعمل على ذلك: مثقفون و مسوقو آراء و غاسلو أدمغة، كما أسماهم بريخت، يلوون عنق الأفكار و يتلاعبون بالألفاظ. و هذه المداورة هي مثلب أخلاقي ينطوي على خطر، و كما قضي فإن “الحقيقة ليست بنت التهويل و المبالغة بل هي بنت البحث الهادئ و الجدل الكريم”.[16]بخلاف ذلك، فإن تأثير هذه الأبواق كبير، و لا ينبغي الاستهانة به (ألم يورد سفر يشوع قصة مدينة أريحا التي سقطت بمجرد نفخ الأبواق؟)[17] إنها “ضوضاء بوق اللاشيء” بالمعنى الكافكوي،[18] و مع ذلك فإن تأثيرها قد يكون عظيما. في كل ذلك ما يذكر بسفسطائيي أثينا القدماء؛ الأمر لا يتعلق بإنكار الحقيقة، بل بإخضاعها للمنظور الشخصي. وتتضاعف الخطورة إن تعلق بالقانون تحديدا؛ سواء صياغة تشريعية أو تطبيقا بيروقراطيا أو تفسيرا قضائيا (بل حتى تناولا أكاديميا).

من هنا، فإن القوانين المعاصرة، و منها العربية (رغم تحدياتها المؤسسية و البيروقراطية المعروفة) لما كانت ترتكز على الفكر الحداثي، فإنها لا يمكن أن تقوم لها قائمة إلا بالعقلانية و التقنية، بعيداً عن الفوضى و الشواش. الأمر في ثقافتنا قديم، وقد تنبه له أبي إسحاق الشاطبي عنما لفت النظر إلى أهمية ألا يقوم العلماء بـ “تشويش العامة” في مناقشتهم للنوازل حتى لا يكون في ذلك “فتح لأبواب الخصام”.[19]

هكذا، ربما كان يجب أن نفكر في ما بعد الحداثيون كما لو كانوا سفسطائيي القرنين العشرين و الواحد و العشرين. كانت لسفسطائيي أثينا القديمة – و لا تزال – سمعة سيئة كمثقفين منافقين ومموهين؛ مرتزقة، يقبضون ثمن معرفتهم. ومع ذلك، قد تكون تلك سمعة مبالغ فيها و تحمل الكثير من الأحكام المسبقة.[20]فالسفسطة ليست سيئة بالضرورة، إذ لنتذكر أنه بينما كان فلاسفة المدرسة الأيونية يكرسون أفكارهم للبحث عن الطبيعة الخارجية، اتجه السفسطائيون إلى المشاكل السيكولوجية و الأخلاقية و الاجتماعية، و كان لهم فضل في مناقشة الأساس الطبيعي للعدالة.[21] ألم يكن بروتاغوراس، هذا المفكر المعتبر، واحداً منهم؟

يصر المنظور ما بعد الحداثي على فكرة قانونية مركزية، مفادها هو أن القاضي لا يمكنه التجرد من محيطه وأهوائه وانتماءاته وأفضلياته وهويته وعقيدته (أو لا-عقيدته) الدينية وتصوراته الاجتماعية ومنظوره للحياة، وأنه -مهما ادعى أو حتى حاول بصدق- فهو بالنهاية جزء من نسيج مجتمعه وإحداثيات زمانه ومكانه معا. إن هذا يعني وجوب أن يقلل القاضي من ربط أحكامه بالمعاني المتعالية كالعدالة والقانون الطبيعي، وأن يلتفت إلى الواقع أكثر، فيربط أحكامه به، بأن يوضح أسبابها وأسسها المرحلية و مآلاتها.[22]

وفي ذلك، يرى دريدا أن القاضي، في كل مرة يفسر فيها القانون، إنما يصنع تفسيرا جديدا له. فعلى الرغم من التسليم بتقيد القاضي بنصوص القانون الوضعي وقيمه التي يسوق لها، إلا أن عليه، في الآن ذاته، أن يفسر القانون بحيث يكشف في أحكامه، كل مرة، عن معنى جديد لم يتضمنه سياق النصوص، وكأنه يصنع قانونا جديدا في كل قضية (بما يستدعي إلى الذاكرة ما كتب ابن رشيق قديما من أن “لكل كلام وجهٌ وتأويل”). بعبارة أخرى، فإن دعوى ما بعد الحداثة هنا هي أن حكم القاضي يجب أن يلتزم بالقانون وأن يدمره في الآن ذاته.[23]

يبدو أن هذه الحجة قد لاقت قبولا ما. ففيما عدا العالم العربي تقريبا، يندر أن تجد اليوم قضاء لم تمسسه موجة النشاط القضائي (judicial activism) المتأثر -بطريقة أو بأخرى- بالأفكار ما بعد الحداثية، وإن بعدت. فعبر العالم، هناك موجة عامة تشجع المحاكم العليا على ممارسة النشاط القضائي الفاعل بغرض تحقيق فوائد “متوسعة” للمجتمع ما أمكن، وقد ظهر في السنوات الثلاثين الأخيرة عدد من القضاة الفاعلين الذين خرجوا بأحكام ملفتة في النظم القانونية جنوب الآسيوية (الهند تحديدا) من أجل الخروج بعدالة أفضل والتزام دستوري أعلى (يظهر هذا التوجه أوضح ما يظهر في نطاق القانون العام -في مجال حقوق وحريات الأفراد من جهة والتزامات الدولة من جهة أخرى- أكثر منه في نظيره الخاص).

من المهم أن يكون في مجال الفكر القانوني من يرفع سقف التفكير، فيثير كل ما هو مستغرب ومستبعد وغير محتمل و مصطدم مع القناعات السائدة. وقد يكون الفكر ما بعد الحداثي مشوب بكثير من الفوضى والتشظي بل و التحلل القيمي أيضا، ولكن -و بالمقابل- هذا لا يعني أنه خليّ من الخير للواعين، الذين يعرفون ماذا يأخذون و ماذا يتركون. التجديد لا يكون إلا بتحريك سرير الطمأنينة.

و لترجمة هذا المنظور إلى عمل، فقد يكون من المفيد استغلال تقنيات ما بعد الحداثة (على فرض أن لهذه وجود منتظم، حقيقة) قبل التفكير في إصدار قانون ما. قد يمكن إذا الاستفادة منها من خلال رسم أفق عام للمدى الخاص بالأفكار القانونية قبل التشريع لها؛ ويمكن التمثيل هنا بموضوعات مثل المصالح الأجدر بالرعاية (المسئوليات المدنية) / مسائل الذكاء الإلكتروني المستحقة للتشجيع مقابل تلك التي تستوجب التجريم (الجرائم الإلكترونية) / عيوب التشريع (الصياغة) / العقوبات البديلة (قانون الجزاء) / العقود الذكية (البلوكتشين)، نظرات نقدية بشأن الفاعلين الدوليين (القانون الدولي) / الحدود العادلة للملكية الفكرية (العقود)، توزيع المخاطر في عقود النقل البحري (علاقات النقل)، و عداها.

بذلك، ورغم ما سبق من تحفظنا على عدم انضباطه، فقد يكون لدى المنظور ما بعد الحداثي ما يقدمه للقانون، وما أراه هو أنه ينبغي التعاطي مع دوره هنا بالتفرقة بين مرحلتين: ففي المرحلة الأولى، يمكن الاستفادة من الآليات الفكرية الواسعة لما بعد الحداثة في مرحلة ما قبل إصدار التشريعات من حيث الارتفاع بسقف الفكر والبحث الحر الذي لا يقف عند السبب الأول للأشياء (بما يذكر بالإستغراض الماركسي الذي يبحث عن السبب الحقيقي وراء كل شيء). أما في المرحلة الثانية، مرحلة ما بعد إصدار القانون، فلا. إذ لا بد في هذه المرحلة من الالتزام بالوضعية القانونية وحدودها الواضحة التي تتطلبها قواعد التفسير القانوني.

وبعبارة أخرى، فإن مغامرات ما بعد الحداثة الممتعة و لكن الخطرة (من استكشاف ومقاربة وتخطي واجتراء) قد تكون تمرينات فكرية جد مفيدة في السياقات الأكاديمية والتنظيرية، كما أنها تفتح مغاليق الفكر وترفع من آفاقه، و يمكن (أو ربما يجب؟) أن تمارس في فترة التحضير لإصدار التشريعات المختلفة، ولكن ما أن تصدر هذه التشريعات فعلا فإن الأمر ينبغي أن يتوقف، فلا تمارس من قبل القضاة أو جهة الإدارة، حرصا على وضوح الخطاب وانضباط التنفيذ واستقرار المراكز القانونية؛ فالقانون إن لم يكن كل هذا فلا لزوم له أصلا.

لذلك، فكل ما تقدم من دور القاضي ينبغي أن يتم في إطار العقلانية الحداثية، فلا يتعداها إلى ما هو متفلت أو غير منضبط أو عدا ذلك مما يسوق له الفكر ما بعد الحداثي (مع التأكيد على أن الانفتاح عليه يظل متاحا -بل ومطلوبا- من العقل النقدي الأكاديمي طبعا، وباستمرار، وفق ما تقدم ذكره عن المرحلة الأولى). هكذا يبحر القانونيون في تيارات البحر ما بعد الحداثي -الغادر لمن يصدق هدوءها والواعد للمتحرّص منها- من دون خشية الغرق في لجته.

لا شك أن العقلانية الحداثية هي سارية مركب القانون.

قرأت مرة بحثاً كتبه غوستافو زاغروبلسكي الذي كان رئيساً للمحكمة الدستورية الإيطالية و قاضياً في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وصف المحاكم فيه بأنها “أرستقراطيات علم” من حيث أنها مدعوة لإيقاف انحدار الديمقراطية و تحولها إلى ديماغوجية، وإلى تحديد نقطة حازمة للتطور العقلاني للمجتمع.

بذلك، فالقضاء (بقضاته وبأعوانه وبمحاميه) ينبغي أن يكون جزيرة للعقل وسط فوضى الآراء. حقا، ينبغي أن تكون المحاكم هي الطليعة العقلانية للمجتمع؛ هي في ذلك أشبه ما تكون بموسى العهد القديم، الذي تمثل قدره في اخراج شعبه من تيه الصحراء وقيادته نحو أرض ميعاد الحياة الدستورية.

قدر القضاء -والعاملين في منظومته- قدرهم أن يكونوا دائماً خصوماً للعاطفة؛ معقل الرشد وحصنه الأخير.


[1] Immanuel Kant, Critique of Pure Reason (London: J. M. Dent & Sons, 1959), p. 62.

[2] مديحة دبابي، “ما بعد الحداثة: سؤال المصطلح و المفهوم”، في: علي عبود المحمداوي و آخرين، خطابات الـ “ما بعد”: في استنفاد أو تعديل المشروعات الفلسفية (الرباط: منشورات ضفاف، الرابطة العربية للأكاديمية الفلسفية، مسائل فلسفية، 2013)، ص. 138.

[3] مجدي عبد الحافظ، “موقع العقل في فلسفات ما بعد الحداثة”، عالم الفكر (الكويت)، العدد 2، المجلد 41، أكتوبر – ديسمبر 2012، ص. 147.

[4] محمد حسام الدين إسماعيل، الصورة و الجسد: دراسات نقدية في الإعلام المعاصر (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2008)، ص. 51.

[5] Derrida, J., Of Grammatology, Baltimore 1976.

[6]  Baltazar Gracian, The Pocket Oracle and the Art of Prudence, first published in 1647, translated by Jeremy Robins (London: Pinguin Books, 2011), p. 3.

[7]  عباس محمود العقاد و عثمان نويه و ثروت أباظة، حول مائدة المعرفة: تفسير و تقريب لكتب مأثورة و أفكار خالدة، الجزء 8 (القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 1963)، ص. 121.

[8] Ihab Hassan, ‘On the Problem of the Postmodern’, New Literary History, Vol. 20, No. 1, Critical Reconsiderations. (Autumn, 1988), pp. 21-22.

[9] انظر:  إبراهيم الحيدري، النقد بين الحداثة و ما بعد الحداثة (بيروت: دار الساقي، 2012).

[10] عبد الله عمر الخولي، “الاكتمال المنطقي لحقائق القانون في المذاهب القانونية الحديثة: دراسة تحليلية مقارنة”، مجلة لارك للفلسفة و اللسانيات و العلوم الاجتماعية، المجلد 1، العدد 44، السنة 2022، ص. 602.

[11] Jean-Francois Lyotard, The Postmodern Condition: A Report on Knowledge (Minncapolis: University of Minnesota Press, 1984), p. xxiii-xxv.

[12] إيتالو كالفينو، “مدن الخيال”، ترجمة محمود موعد، الآداب الأجنبية (سوريا)، العدد 40، صيف 1984، ص. 188.

[13] Derrida, Force de loi, (Paris: Galilée, 1994), p. 95.

[14] Derrida, Force de loi, (Paris: Galilée, 1994), p. 100.

[15] خلدون جميل النبواني، “فلسفة القانون عند جاك دريدا: مقاربة تفكيكية للمفاهيم التشريعية”، المجلة العربية للعلوم الإنسانية (جامعة الكويت)، العدد 143، المجلد 36، 2018، ص. 201.

[16] محكمة النقض (مصر)، 27/2/1933، ج 3 رقم 96 ص. 146.

[17] سفر يشوع، الإصحاح السادس.

[18]  ماكس برود، يوميات فرانتس كافكا، ترجمة خليل الشيخ (أبو ظبي: هيئة أبو ظبي للثقافة و التراث، 2009)، ص. 436.

[19]  سنن المهتدين في مقامات الدين للعلامة محمد بن يوسف المواق الغرناطي، تحقيق الأستاذ محمد بن سيدي محمد بن حمين، 2002 (سلا: منشورات مؤسسة الشيخ مربيه ربه لإحياء التراث و التبادل الثقافي، 2002)، ص. 263-264.

[20] أندريه ناتاف، الـفكر الحر، ترجمة رندة بعث (دمشق: المؤسسة العربية للتحديث الفكري، 2005)، ص. 29.

[21] أحمد محمد غنيم، تطور الفكر القانوني: دراسة تاريخية في فلسفة القانون (صيدا بيروت: المكتبة العصرية، د. ت.)، ص. 8.

[22] عبد الله عمر الخولي، “أثر فلسفة ما بعد الحداثة في المدارس القانونية الواقعية في الفقه الغربي: دراسة بينية استقرائية”، مجلة كلية القانون الكويتية العالمية (الكويت)، إصدار دوري إضافي، العدد 3، السنة 9، العدد التسلسلي 35، يونيو 2021، ص. 442.

[23]   عبد الله عمر الخولي، “الاكتمال المنطقي لحقائق القانون في المذاهب القانونية الحديثة: دراسة تحليلية مقارنة”، مجلة لارك للفلسفة واللسانيات والعلوم الاجتماعية، المجلد 1، العدد 44، السنة 2022، ص. 577.

التحــرّك المدنــيّ الناشــط: عشــرُ دروس، و تنبيــهٌ واحــد

قياسي

– –

the-end-of-bureaucracy-e1545610555753-1568x737[1]

التحــرّك المدنــيّ الناشــط:

عشــرُ دروس، و تنبيــهٌ واحــد[1]

– 

بقلــم: د. مشاعــل عبــد العزيــز الهاجــري

ترجمــة: لولــوة الكنــدري

محاضـرة قُدّمـت بالإنجليزيــة لمنتـدىDialogue X

كليـة العِمـارة، جامعـة الكويـت، 20 نوفمبـر 2017

كانت لي تجربة متواضعة في العمل المدني، يبدو أن المهتمين في كلية العمارة وجدوا أنها تستحق المشاركة باعتبارها نموذجاً يمكن أن يُحتذى، فكانوا من اللطف بحيث استضافوني أنا و بعض الأصدقاء للحديث عنها.

هنا بعض الدروس التي تعلّمتها من خلال تجربتي تلك، و التي نقلتها للحاضرين من خلال جلسة خصبة، دار الحديث فيها بتوسّعٍ و استفاضةٍ ممتعين.

في كلية العمارة أساتذة قديرون، و طلبة رائعون.

– شكرا لولوة على الترجمة إلى العربية.

******

  • عشــر دروس:

(1) ماسورة مكسورة؟ عشبٌ سُوّي بطريقة سيئة؟ لوحاتُ مرورٍ مهترئة؟ بغض النظر عن حجم المشكلة، تذّكر القاعدة الأساسية لأمّنا الطبيعة: الأشياء الصغيرة تكبر، دائمًا (و لأحجامٍ عملاقة، أحيانًا). لا تكن سلبيًا، تكلّم، قبل أن يفوت الأوان.

(2) ليس أن التذمّر يخلق طاقة سلبية فقط، بل إنه لا يحقق أية نتائج. تصرّف، و إلا فإنك سوف تخسر حقك في أن تكون مسموعًا ( و في الحقيقة، فإن أحداً لا يريدُ الاستماع إلى متذمرٍ سلبيٍ آخر).

(3) لا تعمل وحيدًا، جِدْ (أو – إن استلزم الأمر – أوجد) مجموعة صغيرة من الأفراد المتفقين فكريًا، ثم تجمعوا حول قضيتكم المختارة.

(4) كلما كانت الجماعة أصغر، كلما كان التواصل فيما بين أعضائها أفضل (ديناميكيات الجماعة، الوظائف اللوجستية، آليات صنع القرارات، الخ). تذكّر: الأرقام لا تعني شيئا؛ الأمر يتعلق بالجودة و ليس بالكميّة. حتى القطار الطويل ذي العشرين مقصورة لا يتحرّك، في حقيقته، إلا بفضل مقصورةٍ واحدةٍ هي تلك ذات المحرّك.

(5) إلزم التحضّر في سلوكك، ليس هناك من داعِ للتهويل أو للدّراما.

(6) انتبه إلى لغتك، الغضب ليس مبررًا لخطاب التشهير أو التعنيف. استخدم الكلمات العدوانية و المسيئة و ستندهش عند مشاهدتك لآلة القانون التي لم تكن تتوقعها تتحرّك بسرعة – بل و بكفاءةٍ أكبر – من نظيرتها الإدارية التي كنت تأمل بتحريكها (لا سيّما تلك الخاصة بالجهاز الذي كنت تعمل ضده طوال الوقت).

(7) مارس الأحكام الرشيدة و الأخلاقيّة. حتى الحروب، حين تُشنّ، تكون مقيّدة بالمروءة و الفروسية. النزاهة مطلبٌ أساسي.

(8) ثقِف نفسك حول موضوع قضيتك من حيث:

  • التاريخ الإجتماعي.
  • الخطط الإدارية.
  • أفضل الممارسات.
  • المتطلبات التنظيمية.
  • القوانين المقارنة، الخ.

(9) اجعل رسائلك قصيرة، مختصرة و محدّدة. المنصّات العامة ينبغي أن تُستغلّ لتحقيق النتائج، و ليس لفرد عضلاتك التعبيرية و الفكرية.

(10) العمل الإداري، حول العالم، هو مصنعٌ للوعود الخاوية و الآمال المُهدرة. و مع ذلك، تذّكر: هذا أمرٌ طبيعي. فما العمل الإداري إلا مجرّد لوحة خلفيّة للسياسة. لذلك، لا تعلق آمالاً كبرى على التراتبيات الإدارية التقليدية (البيروقراطيات)، فهذه مجرد هياكل، و هي لا تكون فعالة إلا عندما تقطنها “روح” حقيقيّة (شخصٌ مؤمنٌ بالقضية، مواطن غاضب، أشخاص مدفوعون بالشغف، مطالباتٌ مجتمعية أو رفضٌ مجتمعي، و عدا ذلك).

  • تنبيــهٌ واحــد:

رغم جميع ما تقدم، تبقى الفرصة قائمة دائماً لأن لا يؤتي عملك المدنيّ الشغوف ثماره. في الحقيقة، بل إحصائيًا، لعل فرص أن يكون هناك إحباطٌ وخيبة هي أكثر من فرص تحقيق أيّة نتائج ملموسة مُرضية.و لكن هذا لا يهم أبدأ. فليس الأمر بالمشكلة للأسباب التالية:

  1. انت لست وحيدًا، إنه سباق تتابع. هناك دائمًا من سيأتي بعدك ليُكمل المسير من حيث توقفت أنت؛ الزمن عنصر أساسي في استمرارية العملية. لعل هذه الاستمرارية هي، في حقيقة الأمر، أجمل ما في العمل المجتمعيّ.
  2. و الأهم من كل ذلك هو أنه سوف تُتاح لك فرصة إظهار معدنك الحقيقيّ … للعالم : )

[1] Mashael Alhajeri, ‘Engaged Civic Activism: Ten Lessons and One Caveat’, A Talk delivered at the ‘Dialogue X’ forum, Faculty of Architecture, Kuwait University, 20 November 2017.

 

بورتاليه: الخطاب التمهيدي حول المسودة الأولي للقانون المدني (1801)

قياسي

بورتاليه، يتلو كلمته في حضور نابليون بونابرت

 

Preliminary Address on the First Draft of the

  Civil Code (1801)

Jean-Etienne-Marie de Portalis

 

الخطاب التمهيدي حول المسودة الأولي للقانون المدني (1801)

جان إتيان ماري دي بورتاليه  

ترجمة:

أميرة المرضي العنزي  و  شيخة حمود الجناعي

برنامج الدراسات العليا في القانون الخاص

كلية الحقوق – جامعة الكويت

ديسمبر 2018

 

  • عن الفكرة:

أُصرّ دائماً على أن يعمل طلبتي على مشروعٍ ترجميٍ ما، فيخوضوا غماره، أياً ما كان مستواهم اللغويّ (متى ما أُخِذَت النفس بجديّة، لا أعرف مهارةً لا تتحسّن بشيءٍ من الصبر و بعضٍ من الجَلَد، مع التفعيل الذكيّ للموارد التي صارت الآن متاحةً بسهولة – الكتب، القواميس، المصادر الإلكترونية للغات، الـ Podcasts، جماعات الدّعم من الأفراد ذوي الاهتمام المشترك، و عداها – تُثبت التجربة، باستمرار، أنه فقط من يستثمرون في أنفسهم زمناً و جهداً لا بد أن يحصدوا الثمار. العملية ليست بالسهلة، تماماً كما هو الحال مع أي مسعىً جادٍ آخر).

فردياً، ليس كمثل الترجمة شيءٌ في نحت اللغة و شحذ الأفكار و تعليم النزاهة العلمية و الانضباط و الصبر (و التواضع أيضاً؛ فالترجمة تحملك على أن تتحكّم بغرورك فتقف عند حدود صياغات الكاتب، لا صياغاتك، مهما بلغت قناعتك بتفوّق الأخيرة على الأولى).

أما مجتمعياً، فالترجمة – بما هي جسرٌ ناقلٌ للمعارف – هي رافعة الحضارة، فلولا الجهود التُرجميّة القابعة في خلفية التاريخ لمترجمينا القدماء من أمثال الرهاوي و ابن جبرائيل و ابن ماسويه و الكوفي و ثابت بن قرة و عبد الله بن المقفع و أبناء خالد و الحسن بن سهل و قبل هؤلاء جميعاً شيخهم حنين بن إسحق، لما قامت لدينا البِنى الأساسية للمعارف التي تعاطاها علماونا الذين تفخر بهم حضارتنا العربية الإسلامية كالرازي و ابن سينا و ابن رشد و البيروني و الخوارزمي و ابن النفيس و الإدريسي و جابر بن حيان وعداهم كثير، و لما تعلمت بعدهم أجيال عربية كثيرة ما تعلمته.

هذا، ناهيك عن ما أراه من أن الترجمة هي زكاة العالِم بلغةٍ أجنبيةٍ ما عن علمه (ربما على خلفيةٍ من قراءة قديمةٍ لجحيم “دانتي”، لديّ عقيدةٌ شخصيةٌ قديمةٌ في ذلك، تُشعرني دائماً بأن هناك مكانٌ خاصٌ في الجحيم – ربما فات “دانتي” أن يتنبّه له – أراه مخصصاً تحديداً لمن يجيدون لغةً أجنبية، ثم لا يترجمون للناس جانباً مما يقرأون: أنانيةٌ معرفيةٌ بامتياز، ربما كانت تُقبل في مجالاتٍ فكرية أخرى، و لكنها بالتأكيد لا محل لها في الأكاديميا).

  • عن التطبيق:

ضمن أعمال مادة “القانون المقارن” التيي أدرسها لطلبة الدراسات العليا في القانون الخاص، أنتقيت بعض النصوص التي وجدتها هامة و دفعتها إلى طلبتي لترجمتها، مع حثهم على العمل على نشرها بأسمائهم كباكورة لأعمالهم الأكاديمية البحثية.

كان أحد هذه النصوص هو النص الماثل، و هو المعنون “الخطاب التمهيدي حول المسودة الأولي للقانون المدني (1801)”، و الذي ألقاه جان إتيان ماري دي بورتاليه (Jean-Etienne-Marie de Portalis)، (1746-1807)، وزير الأديان في عهد نابليون بونابرت و رئيس لجنة صياغة القانون المدني بل أحد أبرز مهندسي الأفكار القانونية الكبرى فيه، و المنشور، في المصدر الذي تمت ترجمته، كما يلي:

Jean-Etienne-Marie de Portalis, ‘Preliminary Address on the First Draft of the Civil Code (1801)’, Translated by Racheal Singh, Montesquieu Law Review, November, 2016, pp. 1-38.

هذا نصٌ تاريخيٌ هام. اخترته بسبب قيمته التاريخية أولا،ثم  لأنه يلقي ضوءً هاماً على المنظور المبكر و العام للقانون المدني الفرنسي (Code Civile) ثانياً، و هو القانون الذي يهم المشتغلين بالقانون في جميع البلاد العربية قاطبة.

على حدّ علمي، هذه هي المرة الأولى التي يُترجم فيها هذا الخطاب إلى العربية.

  • عن المترجمتين:

أميرة هي بطلة رماية و في جعبتها العديد من الميداليات، فيما شيخة تعمل في مجال مهنيٍّ رفيع، و الإثنتان أكاديميتان واعدتان (أعرف ذلك؛ درّستهما في مقررٍ سابق – هو “فلسفة القانون” – و يسعدني أن أرى في كتاباتهما، و فكرهما، أثراً خفياً منه).

فيما عدا بعض اللمسات الإخراجية القليلة هنا و هناك، هذه ترجمتهما كما هي، لم أتدخّل فيها.

*******************

الجزء الأول ترجمة: أميرة المرضي عوض

تمهيد

جين هاوسرJean Hauser

أستاذ فخري في القانون، جامعة بوردو Université de Bordeaux

 

القانون الأقدم الذي لا زال قيد النفاذ في فرنسا من المحتمل أن يكون قانون 6 فروكتيدورFructidor  السنة الثانية[1] على الألقاب أو الأسماء الأولى، استتبع بقانون 25 فونتوز  Ventoseالسنة التاسعة[2] على تنظيم مهنة التوثيق. هذا كل ما تبقى من القانون الخاص في ظل النظام القديم. وهذا يسمح لنا – تقريبا – بقياس الثورة الكوبرنيكيةCopernican  التي كانت تمثل مسودة القانون المدني. وبالتعداد، فقرون من التشريع، قرارات البرلمانات،[3] القوانين الرومانية التي لازالت نافذة، الأوامر الملكية، الجزء العظيم من القانون المتوسط،[4] إلخ.

هذه التشكيلة الكبيرة كانت قد استبدلت بقانون (السنة الثانية عشر) في إصداره لعام 1804، بـ 430 صفحة مطولة. أسلوبه كان ملحوظ تماما، غالبا ما نقل عن استندال Stendhalأنه قبل الشروع في الكتابة دائما كان يعيد قراءة صفحة من القانون المدني.

التجهيز للقانون كان شاملا، لكنه ليس خال من الصعوبات. شكلت لجنة إعداد المسودة من أربعة أعضاء، اختيروا بعناية لتمثيل تنوع الأقاليم الفرنسية وعلاوة عليه تمثيل التقسيم الذي لا زال حاد بين دول القانون العرفي ودول القانون المكتوب. مع ذلك، كلف بورتاليه Portalis لوحده بإعداد مسودة التقرير النهائي، المعالجة الأولية التي سلمت في 1 بلوفيوزPluviose  السنة التاسعة.[5]

بورتاليهPortalis ، المحام الشهير من قصر العدل الفرنسي، خلف وراءه جزء معتبر من العمل الفلسفي. وعلاوة على مادة معالجته على تنوع أقسام القانون – التي حتما مؤرخة – كانت حكمته وتواضعه هي الأكثر وضوحا للقراء.

الحكمة كانت أساسية. ففرنسا قد مرت للتو من خلال خمس عشرة سنة من الاضطرابات القانونية والسياسية التي شهدها الجميع، مع الكثير من التردد خاصة بشأن حقوق الأفراد، متضمنة عدد من الابتكارات المدهشة كالطلاق بالإعلان البسيط، الذي ممكن أن ينظر مرة أخرى فقط في أكتوبر 2016! القانون سجل بداية جديدة.

المعالجة الأولية استعرضت، أولا وقبل كل شيء، مبادئ التشريع وتحليل ملحوظ للقانون. القوانين ليست أفعال محضة من السلطة، بل أفعال حكمة، عدالة، وعقل. القوانين صنعت للشعب، وليس الشعب وجد للقوانين، يجب على المرء أن يبقي القلق حيال الابتداع الكبير في مسائل التشريع، إلخ. بطبيعة الحال، بعض الحكمة، في حياتنا اليوم، غالبا ما تتصادم مع طوفان فقر الإعداد، التشريعات عديمة الفائدة، الاستنكار المنتظم من قبل كل سلطة بدون وجود أي فعل لأي أحد حيال ذلك. النقاش غالبا ما يتطور، والذي من الممكن أن يعيد بورتاليه Portalisللوراء على غير صلة، وهو أن المبادئ الموصى بها في المعالجة الأولية لن تبقى تناسب مجتمعاتنا المعقدة والتقنية. هل تلك الضرورة حقيقية؟ المجتمع في 1804 لم يكن بالبساطة التي يتخيلها المرء. فالقانون لابد أن يجلب في الوقت ذاته الماضي الذي هو النظام القديم والحركة الثورية، متطرفين ومعتدلين، أهل الأيمان والعلمانيين، إلخ. كثيرا ما يقال بأن الحركة الثورية الحقيقية قد تم التضحية بها، والذي هو نوع من المبالغة. فمن المسلم به، أنه لم تكن هناك ثورة حقيقية على لجنة إعداد المسودة، والذي ممكن أن يكون محل الثورة هو– ميرلون دو دويه[6] Merlin de Douai– وكان قد استبعد، مع ذلك، لم يكن أحد الأعضاء متصل حقيقيا بالنظام القديم. مصادر القانون هي في العمق ثورية، منهجها وعلمانيتها على قدر من المساواة، المساواة تحققت، كما هي الشرعية.

آخرون ادعوا بأن القانون المدني كان حل وسطي. ومرة أخرى، كما يوضح بورتاليهPortalis ، الوسطية هي أكثر تعقيدا. فهناك تأثير روماني مؤكد، في ظل تقديس يولى أحيانا لقانون النظام القديم، وهذا بسبب أنه كان مشبع بالقانون الروماني (يفهم إلى مدى كبير أو صغير). فالقانون أولا وقبل كل شيء منهج لمصادر ولتشريعات محددة باقية لليوم الحالي، على الرغم من التجاهل الكبير من المشرعين الفرنسيين الجدد. إن اختبار هذا الارتفاع للنصوص التشريعية علاوة على المحتوى المادي يتحقق عندما يلاحظ المرء أن الاستعادة صنعت تعديلات ملحقة طفيفة، مع استثناء الطلاق، مع ذلك، المسائل لن تكون مقررة بالكامل والخلافة في الأوراق ستترتب على ذلك حتى 1884، عندما اسعيد الطلاق. ليس هناك أي وسطية حقيقة بين المصادر النصية والسوابق القضائية. الحظر الواضح على القرارات التنظيمية أعطى سيادة غير قابلة للجدل السابق، وسيكون هناك مع ذلك استتباع لقرن من التفسير، حتى لو كانت الفترة أكثر إنتاجية مما توقع لها أن تكون. عندما يتمنى المرء أن يصنع شيء، التفسيرات ممكن أن تكون مثمرة وقداسة النصوص ستتولى إثبات ذلك، يجب عليه ببساطة أن يريده، كما سيتبين من 1890 فصاعدا. وعلى ذات القدر بورتاليهPortalis  استبقى التنبيه على هذه النقطة، وخلال النقاشات كان لابد له أن يناضل ضد الميل إلى تنظيم كل شيء على شكل أوامر للالتفاف على سلطة المحاكم – التوجه الذي يمكن أن لايزال يرى اليوم. على هذه النقطة، بورتاليه Portalis كان واضح تماما.

التواضع سبب آخر لنجاح القانون المدني. يشير بورتاليه Portalis صراحة لقانون كامباسيرس Cambaceres، الذي يستحق شكر أكثر مما قد أعطي، خاصة فيما يتعلق بوضع النساء. فمزالق التدوين بعد جهد جهيد تم تعدادها مع بعد نظر واضح وكبير، وفي الواقع، ببعض من التواضع. ليس كل شيء يمكن تبسيطه وتوقعه، رغم أن التمييز بين مسائل القانون المدني والجنائي أساسي – هذا قد يشكل أساس مبدأ شرعية العقوبات والجرائم. علاوة على ذلك، الوقت يسير بلا هوادة، فمجموعة كاملة من المسائل قد تظهر من اللحظة التي يكون القانون فيها قد اكتمل.

في الواقع، هذا التواضع غريب إلى حد كبير، من الممكن أن يرى فقط في بقع من التشريع المدني (على سبيل المثال تشريع كوبرنيرCarbonnier ، من 1964 وحتى 1975). حتى لو كان التشريع الخال من الإيديولوجيا هو وهم، فالاهتمام الموجه لاستيعاب الإدانات سيختفي قريبا، ويفسح الطريق للتشريع الذي أشار إليه بكثير أو قليل الفلاسفة السابقين. ربما يجب علينا أن نفكر بأنه لو التزم بورتاليهPortalis  وآخرون بدون شك بنوع من الفلسفة البرجوازية، بينما نجحوا في توحيد المواطنين الفرنسيين حول القانون المدني – واستمروا بفعل ذلك لسنوات طويلة – هو بسبب دراستهم لعقد من الزمن للنضال الإيديولوجي، فهم تمنوا إيجاد طريق آخر، ومسار مختلف. كان يقال بأن التدوين لم يكن له أن يحصل لو أن رياح الإيديولوجية لم تكن مرغوبة من قبل المدونين، لكن هذا قد يصدق فقط إذا كانت الإيديولوجيا مصحوبة بالحكمة والتواضع.

القانون صنع لمناطق ريفية كبيرة من فرنسا في ظل عدم وجود بروليتاريا حقيقية بالمعنى الماركسي للكلمة، بطبيعة الحال هذا لن يبقى للتغير الواسع لفرنسا. في هذا المعنى، كان كاربونيرCarbonnier  محق في وصف القانون المدني الفرنسي بأنه دستور حقيقي. وهذا دليل جد متنازع عليه على ذلك، المعالجة المناسبة هي التي أجريت بواسطة المحكمة.

حيث القانون مثقل أمام التضحية المطالب فيها بالأمور التي تهمه. المناقشة الجارية حيه وعنيفة، فهي تلمس ليس فقط موضوع المسائل التي تتضمن (الأمور العارضة، وحد كبير من الحكمة) ولكن أيضا تلمس مبادئ نظامنا القانوني. لا يعني ذلك بأنهم غير منتهكين لحرمته، بل بالأحرى يجب عليهم أن يكونوا عادلين مع التنبيه الكبير – الذي يؤكد الرأي الذي انتهجه بورتاليهPortalis .

هذا بلا شك درس لابد أن يدون من المعالجة الأولية. وفي الواقع، النتيجة هي القانون المدني.

 

نص الخطاب المترجم:

معالجة أولية على المسودة الأولى للقانون المدني (1801)

جين أيتين ماري بورتاليه

Jean-Etienne-Marie Portalis

 

المرسوم الصادر من القنصل، المؤرخ 24 تيرميدور  Thermidorالسنة السابعة، كلف وزارة العدل بإقناعنا “بمقارنة صيغة الأوامر المتبعة في مسودات القوانين المدنية المنشورة حتى الآن”، لتحديد الخطوط العريضة التي من الممكن أن تكون الأكثر مناسبة للاعتماد، ومن ثم مناقشة المبدأ الأساسي للتشريع المدني.

المرسوم متوافق مع الأمنيات التي تعبر عنها كل التجمعات الوطنية والتشريعية.

نقاشنا اكتمل.

نحن مسؤولون للوطن وللحكومة لفكرة أننا شكلنا لبعثة مهمة للهدف الذي اعتقدنا بأنه يجب أن نحققه.

فرنسا والدول الأوروبية العظيمة الأخرى معا، توسعت بنجاح من خلال الفتوحات ومن خلال الإتحاد الحر للشعوب المختلفة.

الشعوب المغزاة والشعوب التي بقيت حرة نصت دائما، في معاهداتها واتفاقيات الصلح، على صيانة تشريعها المدني. التجربة تكشف بأن الأفراد أكثر استعدادا لتغيير قائديها من استعدادها لتغيير قوانينها.

بالتالي، التنوع البرجوازي للأعراف الذي ممكن أن يوجد في الإمبراطورية الواحدة، ممكن أن يؤدي للقول بأن فرنسا كانت مجرد مجتمع لعديد من المجتمعات. حيث الوطن كان مشترك والدويلات منفصلة ومتميزة، فالإقليم كان واحد والأمم متنوعة.

تصور قضاه يستحقون الثناء لأكثر من مرة خطة لإنشاء تشريع موحد. التوحيد نوع من الكمال، الذي وصفه مؤلف في كلمات، يستولي أحيانا على العقول الكبيرة، ويضرب على مضض تلك الصغيرة.

لكن كيف نضع قانون للأفراد الذين على الرغم من انتمائهم لحكومة واحدة، لا يعيشون في نفس المناخ ولديهم طرق مختلفة؟ كيف تستأصل الأعراف التي كان الاتصال بها يعتبر امتياز، والتي كنا نعتبرها كعقبات كبيرة أمام تحويل نزوات السلطة التعسفية؟ المرء يخشى الضعف أو حتى التدمير، من خلال التدابير العنيفة، العلاقات المشتركة للسلطة والخضوع.

فجأة، ثورة عظيمة قد ظهرت. جميع التجاوزات أصبحت تتعرض للهجوم، جميع المؤسسات تُسأل. في وقت تعددت فيه الأصوات لصوت الخطيب، والمنشآت التي كانت على ما يبدو غير قابلة للاهتزاز انهارت، لم تعد متجذرة بالأخلاق أو بالآراء. هذا النجاح أعطى التشجيع، وقريبا التنبيه الذي تسامح مع كل الأشياء أعطى طريق للرغبة في تدميرها كلها.

وعدنا مرة أخرى لفكرة التوحيد في التشريع، لأننا قادرين على إعطاء لمحة لإمكانية جعلها حقيقية.

لكن هل ممكن أن يولد قانون مدني جيد في خضم الأزمات السياسية التي هزت فرنسا؟

أي ثورة هي عبارة عن فتح. هل القوانين تصنع عند التحول من الحكومات القديمة إلى الجديدة؟ من خلال القوة الكبيرة للأشياء كالقوانين التي بالضرورة معادية، جزئية، ثورية. نحن حُملنا بعيدا بفعل الحاجة إلى مخالفة كل الطرق القديمة، لإضعاف كل العلاقات، ووضع المتذمرون جانبا. لم نعد نقلق أنفسنا أكثر من ذلك بالعلاقات الخاصة للأفراد، ممكن لنا أن نرى فقط الهدف السياسي العام، نسعى للكونفيديرالية بدلا من أبناء الوطن. كل شيء أصبح قانون عام.

إذا وجهنا الاهتمام للقوانين المدنية، ليس من المهم كثيرا جعلها أكثر حكمة وعدالة مما هي عليه لتقديمها بأكثر أفضلية لأولئك الذين يهمهم معاينة النظام الذي تم إنشائه. أحدهم يطيح بسلطة الآباء لأن الأبناء جعلوا أنفسهم أكثر استعدادا للأشياء الجديدة. السلطة الزوجية لا يتم احترامها، لإعطائها حرية أكبر للنساء التي أدخلها الأسلوب والشكل الجديد في الحياة التجارية. نظام الخلافة بالكامل يجب أن ينقلب رأسا على عقب، كونه وسيلة لإعادة ترتيب المواطنين من خلال ملاك جدد. في أي لحظة، التغيير يعطي ميلاد لتغيير جديد، وظروف لظروف جديدة. المؤسسات تخلف بعضها البعض بسرعة، بدون أن تكون واحدة منها مستقرة، والروح الثورية يتشرب بعضها البعض الآخر. الروح الثورية هي ما نوصفه بأنه الرغبة الجليلة العنيفة للتضحية بجميع الحقوق لصالح هدف سياسي، ورفض القبول بأي اعتبار يوضع لمصالح غامضة ومتغيرة للدولة.

لا يمكننا في هذا الوقت أن نعد أنفسنا بأننا سنعيد تنظيم الأشياء والأفراد، مع تلك الحكمة التي تتصدر المنشآت المستقرة، وباتباع مبادئ العدالة الطبيعية التي المشرع الإنسان فقط يمكنه أن يكون التفسير المحترم لها.

فرنسا اليوم تتنفس بحرية، والدستور الذي يضمن راحتها، يسمح لها بأن تفكر بناء على ازدهارها.

القوانين المدنية الجيدة هي أعظم شيء ممكن أن يقدمه الشعب أو يتلقاه، فهي المصدر للأخلاق، والضمان للسلام العام أو الخاص، فحينما لا تبسط القوانين المدنية الأساس للحكومات، فهي على الأقل تحافظ عليه، هي توازن السلطة، وتضمن أن يتم احترامها، كما لو كانت السلطة هي بذاتها العدالة. هي تؤثر في أي شخص، وتمازج بين تصرفاتهم الرئيسية، وتتبعهم أينما كانوا، هي غالبا البوصلة الوحيدة للأخلاق ودائما جزء من حريتهم، أخيرا، فهي توفر المواساة لكل مواطن فيما يتعلق بأوامر التضحيات من خلال القانون السياسي للمدينة، من خلال حمايته إذا تطلب الأمر، في شخصه وملكيته، كما لو كان هو وحده المدينة بأكملها. بناء على ذلك، إعداد مسودة القانون المدني جذبت اهتمام البطل الذي عينته الأمة كالقاضي الأول، الذي يقود كل الأشياء بعبقريته، والذي دائما ما يؤمن بالتزامه الذاتي للعمل لمجد الأمة العظيم، طالما كان هناك شيء عليه أن ينجزه في سبيل سعادتنا.

لكن كم هي مهمة عظيمة، أن يتم إعداد مسودة تشريع مدني لشعب عظيم! هذا ممكن أن يكون العمل الذي يستتر خلف القوة الإنسانية. إذا كانت هناك أهمية لإعطاء الشعب مؤسسات جديدة كليا، وإذا جنبنا حقيقة أنها تحتل مكانة محترمة في الأمم المتمدنة، نحن نرفض التجربة القديمة وعادات الجوهر الجيد، القواعد والثوابت التي انتقلت لنا، والتي تشكل روح القرون.

القوانين ليست أفعال محضة للسلطة، بل أفعال للحكمة، العدالة والعقل. تجارب المشرعين ليست بقدر سلطتهم في عمل مهمة مقدسة. يجب عليه أن لا يفقد إبصار حقيقة أن القوانين صنعت للشعوب، و ليست الشعوب للقوانين، تلك القوانين يجب أن تتلاءم مع شخصية، طرق و مواقف الشعب الذي صنعت من أجله، الأمر الذي يلزمه بأن يعتدل في عبارات الجدية لمسائل التشريع بسبب أنه، طالما أمكن في المؤسسة الجديد جمع المزايا التي ممكن أن تقدمها لنا النظرية، فليس من الممكن معرفة المساوئ التي الواقع العملي لوحده يمكن أن يكشفها، لذا الأفضل ترك الأمور على حالها، طالما كان الإصلاح غير مؤكد، ذلك أنه بجعل الحق إساءه، فالمخاطر من التصحيح بحد ذاته تبقى بحاجة للنظر، ذلك أنه من غير المعقول تكريس الواحد منها لأمة مطلقة الكمال، في المسائل الحساسة فقط للخير النسبي، هذا بدلا من تغيير القوانين، سيكون أكثر فائدة أن يقدم المواطنون مع أسباب جديدة للربط بينهم، هذا التاريخ بالكاد يمنحنا مؤشر عن القوانين الضئيلة الجيدة على مدار قرون عديدة، أخيرا، أي تغييرات ممكن أن تقدم من خلال أولئك الذين ولدوا بحظ كاف لإدراك دستور الدولة بأكمله، في اندفاع من العبقرية وبنوع من الإلهام.

منذ سنوات قليلة، القنصل كامباسيرسCambaceres [7] نشر مسودة قانون متضمن المسائل، مصنفة بطريقة ممنهجة ومحددة. هذا القاضي، الذي هو على قدر حكمته كان أيضا متنور، كان قد تركنا بدون أي شيء نفعله، لو أنه كان قادرا على إطلاق عنان حكمته ومبادئه، وأكد على الظروف العابرة التي لم يتم اعتبارها بديهيات قانونية، تلك الأخطاء التي توُفي ولم يشاركها.

بعد 18 بروميرBrumaire ، اللجنة المؤلفة من الرجال الذين ستكون وطنيتهم قد وضعت في نطاق سلطات دستورية متنوعة، كانت قد أنشأت لإنجاز عمل غالبا ما وُلي وأهمل. الأعمال المفيدة لتلك اللجنة قد قلصت ووجهت أعمالنا.

في بداية نقاشنا، كنا مشغولون بالرأي الشائع على نحو واسع، والقائل بأن في وضع مسودة للقانون المدني، عدد قليل من النصوص المحكمة والدقيقة للموضوعات قد يكون كاف، وبأن الفن العظيم هو بأن يتم تبسيط كل شيء في حين يتم توفير كل شيء.

تبسيط كل شيء هو عملية يجب أن يتفق عليها. أما توفير كل شيء فهو هدف يستحيل تحقيقه.

لا يجب أن تكون هناك قوانين بلا هدف، فهي ممكن أن تضعف القوانين المهمة، وقد توسط ما بين
اليقين ومجد التشريع. على الرغم من أن دولة عظيمة كفرنسا، والتي هي أمة زراعية وتجارية تشمل مهن مختلفة ومتعددة وتوفر أنواع مختلفة من الصناعات، من غير الممكن أن تمتلك قوانين ببساطة تلك التي يمتلكها المجتمع الفقير والأكثر محدودية.

قوانين اللوائح الإثني عشر[8] دائما ما توضع كمثال، لكن كيف من الممكن لمؤسسات أناس مستجده أن تقارن بتلك الخاصة بأناس في ذروة الثراء والتمدن؟ أكانت روما قبل فترة طويلة مولودة ومعدة للعظمة، إن أمكننا القول، لتكون المدينة الأبدية، الاعتراف بعم كفاية قوانينها الأولية؟ ألم يكن من القريب كفاية المقارنة بين القانون المكتوب وغير المكتوب؟ ألم تظهر هناك خلافة لمرسوم سيناتوسsenatus ، الاستفتاءات، القضاة، المراسيم، القنصل، الأوامر، الفتاوى القضائية، القواعد، العقوبات البراجماتية، رسالة البابا، روايات الأباطرة؟ تاريخ تشريع روما هو، أكثر أو أقل، تشريع لكافة الشعوب.

في كل الدول المستبدة، حيث يمتلك الأمير كل الأرض، حيث كل التجارة تقاد إلى رئيس الدولة ولفائدته، حيث الأفراد الخاصة ليست حرة ولا ذات إرادة وليست لها ملكية. هناك قضاة وجلادين أكثر من القوانين، لكن أينما كان هناك مواطنون ملكيتهم بحاجة للحماية والدفاع، حيثما كانت هناك حقوق مدنية وسياسية، حيثما هناك تهم موجه لشيء ما، لابد أن يكون هناك عدد مؤكد من القوانين التي تواجه كل شيء. الأنواع المختلفة من الملكية، الأنواع المختلفة من الصناعة، الأوضاع المختلفة للوجود الإنساني، كلها تتطلب قواعد مختلفة. اهتمام المشرع يجب أن يتناسب مع تعددية وأهمية المسائل التي يجب أن يشرع لها. من ثم، في قوانين الأمم المتمدنة، هذه الدقة في التبصر هي التي تضاعف عدد المسائل وتصنع فن من العقل نفسه.

نحن بالتالي لا نؤمن بأنه كان هناك حاجة لتبسيط القوانين إلى الحد الذي نترك المواطنين فيه بلا قواعد أو ضمانات على مصالحهم.

على قدر من المساواة، نحن نحمي أنفسنا ضد الطمع في تنظيم وتوفير كل شيء. من يظن أن نفس الأفراد، الذين كان يبدو القانون مقبول بالنسبة لهم، تجرؤوا على وصف المهمة المخيفة في عدم ترك أي شيء لتقدير القاضي للمشرع؟

أيا كان ما يمكن للمرء فعله، القوانين الجيدة لا تحد استخدام العقل الطبيعي في أمور الحياة اليومية. حاجات المجتمع متنوعة جدا، التواصل بين الأفراد فعال بكثرة، مصالحهم متعددة وعلاقاتهم ممتدة، لذا يستحيل على المشرع ان يوفر كل شيء.

في العديد من المسائل التي تجذب اهتمامه، هناك حشد من التفاصيل يراوغه، أو كان فيها من الخلاف والتقلب ما يصعب وصولها لكتاب القانون.

علاوة على ذلك، كيف يمكننا أن نعيد الزمن؟ كيف يمكننا الوقوف أمام مسار الأحداث، أو غطرسة رفض الأخلاق؟ كيف يمكننا معرفة وجمع ما هو سابق لوقته والذي التجربة وحدها تكشفه لنا؟ هل البصيرة قادرة على الامتداد إلى المسائل التي العقل لا يمكنه أن يصل لها؟

القانون، مهما كان يبدو مكتملا، لم ينتهي من آلاف المسائل غير المتوقعة والتي تظهر نفسها للقضاة. القوانين، من لحظة كتابتها، تبقى كما كتبت عليه. من زاوية أخرى، الأفراد لا يتوقفون عن التصرف، وفي تلك الحركة التي لا تتوقف والآثار التي تتقلب باختلاف الظروف، تنتج أمام أي تحول مزيج جديد، حقائق جديدة، ونتيجة جديدة.

الحشد الكبير للأشياء بالضرورة يترك للعرف، لنقاشات الأفراد المثقفة، لأحكام القضاء.

مهمة القانون أن يحدد في خطوط عريضة، الثوابت العامة للتشريع، لإنشاء المبادئ التي تنضج مع النتائج، وليس للدخول في تفاصيل المسائل التي تظهر في كل موضوع.

هو للقاضي ولمجلس القضاء، وكما تبدو مشبعة بالروح العامة للقوانين، لتقود تطبيق ذلك.

في جميع الأمم المتمدنة، يستطيع المرء أن يرى تشكل رواسب الثوابت، قرارات المحاكم، جنبا إلى جنب وتحت العين اليقظة للمشرع، والتي تصبح يوميا أكثر وضوحا من خلال الواقع العملي وانتاجية النقاش القضائي، والذي يستمر بالنمو من المعارف المكتسبة، والذي يعتبر إضافة ومكمل حقيقي للتشريع.

أولئك الذي ادعوا بأن الفقه ملزم بأن يضاعف من حدة الذهن لديه، التجميع، والتفسير. من الممكن ان يكونوا أساس للاتهام. لكن في أي فن، وفي أي علم المرء لا يستحقه؟ هل يحب أن علينا اتهام فئة خاصة من الأفراد على هذا المرض العام للعقل الإنساني؟ هل هناك أوقات كان يدان فيها المرء على الجهل لعدم وجود الكتب، وآخرون لازال يصعب عليهم تعليم أنفسهم، لأنه يوجد إفراط.

إذا كان الإفراط في التعليق، النقاش والكتابة ممكن أن يتسامح فيه في أي حقل، فلابد أن يكون كذلك للفقه على الأخص. المرء لا يتردد في الإيمان بذلك، إذا اعتبرت المواضيع المتعددة المتعلقة بالمواطنين، بناء على التطور وحركة التوارث في المسائل الذي لابد معه من القاضي ومجلس القضاء الاهتمام بها، وعلى الأحداث والظروف التي تبدل العلاقات الاجتماعية بطرق متعددة، وأخيرا على الأفعال وردود الأفعال المستمرة على كل العاطفة والاهتمام المتنوع. ذلك الذي انتقد حدة الذهن والتعليق، باسم العامل الشخصي، هو الأكثر حدة في الذهن والأكثر تعليقا.

مما لا شك فيه أن تنظيم جميع المسائل في القانون أمر مرغوب.

لكن مع غياب نصوص محددة لكل مسألة قانونية، فإن تلك القديمة، الثابتة وراسخة الاستخدام، التعاقب المتواصل للقرارات المتشابهة، الآراء أو الثوابت المتلقاة، ممكن أن تأخذ مكان القانون. عندما لا يقاد المرء بشيء قد أنشئ أو عرف، وعندما تكون هناك أحداث مستجدة، يعود المرء إلى مبادئ القانون الطبيعي. حيثما تكون بصيرة المشرع محدودة، فإن الطبيعة ليست محدودة، فهي تطبق على أي شيء قد يهم البشرية. كل هذا يفترض وجود التجميع، الإصدار، المعاهدات، وعدد كبير من الأبحاث والتقارير.

يقال بأن الشعب، في متاهة ما، لا يستطيع التمييز بين ما يجب تجنبه وما يجب فعله في سبيل ضمان الأمن لممتلكاتهم وحقوقهم.

لكن هل للقانون، وحتى أبسط القوانين أن يصل إلى كل فئات المجتمع؟ هل للعاطفة أن تقود دائما لتشويه معناه الحقيقي؟ أليست هناك حاجة لقدر معين من التجارب في سبيل ضمان التطبيق الحكيم للقوانين؟ علاوة على ذلك، هل هناك أمة حيث عدد قليل من القوانين البسيطة كانت كافية لزمن طويل؟

بناء على ذلك سيكون من الخاطئ التصديق بأن من الممكن أن يكون هناك جسد للقوانين التي تستطيع أن تعالج كافة المسائل المحتملة بتقدم، وعلاوة على ذلك يبقى في متناول يد أي مواطن.

نظرا لحالة مجتمعاتنا، لحسن الحظ بأن الفقه هو ذاك العلم الذي يستطيع التركيز بموهبة، كبرياء وفخر، وبيقظة. هناك فئة كاملة من الأفراد كرسوا أنفسهم تماما لهذا العلم، وتلك الفئة كُرست لدراسة القوانين، توفر النصيحة والدفاع للمواطنين الذين قد يكونون غير قادرين على الدفاع عن أنفسهم، وهكذا يصبح نوع من المعهد التعليمي للسلطة القضائية.

أنه لمن حسن الحظ هناك العديد من الخلاصات، تقليد طويل للعرف، الثوابت والقواعد، التي من الممكن للفرد في طريق ما أن يكون مطلوب لقاعدة اليوم كما لقاعدة في الأمس، أنه ليس هناك تنوع في الأحكام العامة كما هو في تلك التي تجلب من تقدم المعرفة وفرض الظروف لنفسها.

أنه لمن حسن الحظ أن الأهمية التي تقع على عاتق القضاة بتعليم أنفسهم، للبحث، لاختبار المسائل التي تفرض نفسها عليه بتعمق، دون السماح له بأن ينسى أنه حيثما هناك أشياء موضوعها عقله، فلا يوجد شيء موضوعه هواه أو إرادته.

في تركيا، حيث الفقه بعيدا عن أن يكون فن، حيث الباشا يمكنه أن يقرر ما يرضيه، دون عوائق كالتي تعيقه من خلال الأوامر العالية، يمكن للمرء فقط أن يرى عريضة المتقاضين لطلب واستقبال العدالة في دولة من الرعب. لماذا لا يملك المرء ذاك القلق حيال قضاتنا؟ هذا بسبب أنهم معتادون على سماع الدعوى، بسبب أنهم متنورون، بسبب أنهم على علم، بسبب أنهم مؤمنين بتقييد أنفسهم بتبادل المعرفة مع الآخرين. لا يمكن القول كم لأعراف العقل والعلم لها أن تلين وتعدل السلطة.

في سبيل مواجهة السلطة التي ندركها في القضاة، لوضع قواعد لتلك المسائل التي لم تنشأ بفعل القانون، يستشهد الفرد بالحق الذي يحمله أي مواطن ليحكم عليه فقط وفقاً لقانون سابق وراسخ.

الحق من غير الممكن تجاهله، غير أن، لتطبيقه، لابد من التمييز بين المسائل المدنية والجنائية.

المسائل الجنائية، التي تدور حول أفعال مؤكدة، مقيدة، بينما المسائل المدنية ليست كذلك. فهي تشمل إلى أجل غير مسمى كل المسائل وكل التعقيدات والمصالح المتنوعة التي ممكن أن موضوع نزاع بين الأفراد الذين يعيشون في المجتمع. يترتب على ذلك، المسائل المدنية ليست موضوع للبصيرة التي ممكن أن تستحضر لتحكم المسائل الجنائية.

ثانيا، في المسائل المدنية النزاع يقع دائما بين إثنين أو أكثر من المواطنين. فمسألة للملكية، أو أي موضوع مشابه، من غير الممكن أن تبقى غير محكومة بينهم. وضع القواعد مطلوب، طالما تم ذلك، النزاع لابد أن يقاد حتى النهاية. إذا كان الأطراف غير قادرين على الوصول لاتفاق بينهم، ماذا يمكن بعد ذلك للدولة أن تفعل؟ من غير الممكن كما يبدو إعطاءهم قوانين لجميع الموضوعات، بدلا من ذلك يعطيهم، في شكل القاضي العام، قاضي مثقف ونزيه، محكَم تمنع قراراته التعدي ومن المؤكد أكثر فائدة لهم من النزاع الذي يدوم لفترة طويلة، التداعيات ليست بالدوام الذي من غير الممكن أن يتنبأ به. التحكيم الواضح للأموال أكثر قيمة من ضوضاء الأهواء.

مع ذلك، في المسائل الجنائية النزاع بين المواطنين والعامة. إرادة العموم يمكن فقط أن تكون متجسدة في هذا القانون. المواطن الذي لا يخالف بفعله القانون من غير الممكن أن يكون محل اهتمام ومتهم باسم العامة. ليس فقط لا توجد حاجة للقضاة، ولكن لا يوجد شيء للقضاء فيه.

القانون الذي يوفر أساس للاتهام لابد أن يكون سابق على الفعل الذي يدان فيه الشخص. المشرع لا يمكنه أن يحكم دون أن ينبه، وخلاف ذلك، القانون خلافا لغايته الأساسية، لا يمكن ان يوضع من أجل جعل الفرد أفضل لكن فقط لجعله غير سعيد، والذي يمكن ان يكون على عكس جوهر الأشياء.

من ثم، في المسائل الجنائية حيث هناك فقط تشريع رسمي، وموجود مسبقا والذي يمكن ان يشكل أساس تصرفات القاضي، فلابد أن تكون هناك قوانين دقيقة وليس سوابق قضائية، لأنه من المستحيل تناول جميع المسائل المدنية في قوانين، ومن المهم أن نصل لنهاية بين الأفراد الخاصة، للنزاعات التي لا يمكن أن تترك دون تقرير، ودون إجبار الفرد على أن يصبح قاضي في المسألة الخاصة فيه، ودون نسيان أن العدالة هي العمق الأول للسيادة.

على أساس المبدأ القائل بأن القضاة لابد من أن يطيعوا القانون، وبأنهم غير مسموح لهم بتفسيرها، المحاكم في السنوات الأخيرة، أعادت المتقاضين إلى سلطة التشريع، من خلال معنى ملخصات الدعاوى، في أي وقت كان ينقصهم القانون أو كان القانون القائم غامض. محكمة النقض منعت التعسف تماما، واعتبرته إنكارا للعدالة.

هناك نوعان من التفسير، أحدهم فقهي، والآخر رسمي.

التفسير الفقهي يتألف من استيعاب المعنى الحقيقي للقانون، تطبيقه بفطنه، وإكماله بتلك المسائل التي لم يوفرها. بدون هذا النوع من التفسير، كيف يمكن للمرء أن يتخيل الوفاء بمنصب القاضي؟

التفسير الرسمي يعتمد على إعادة معالجة المسائل والشكوك. من خلال التشريع أو الأحكام العامة. هذا المنهج من التفسير هو الوحيد الممنوع على القاضي.

عندما يكون القانون واضح، يجب أن يتبع، عندما يكون غامض، فحكمه يجب ان يدرس بتعمق. عندما يكون هناك نقص في القانون، لابد للمرء من أن يستشير العدالة أو العرف. العدالة هي عودة للقانون الطبيعي، في مواجهة القوانين الصامتة، أو ومناهضة غموض القوانين.

في إجبار القاضي بالرجوع للمشرع يمكن أن يكون هناك قبول لأكثر المبادئ شرية، هذا من شأنه أن يعود بنا إلى التشريع الكارثي للبابا. عندما يتدخل المشرع بوضع قواعد على المسائل التي تظهر وتناقش بحماسة بين الأفراد الخاصة، لن يكون في مأمن من المفاجآت أكثر من المحاكم. المرء لدية تخوف قليل من التحكيم الثابت الواع للقاضي الذي يمكنه أن يصلح، والذي يمكنه أن يقاضى على تعسفه في سلطته، مقارنة بالتحكيم المطلق وذو السلطة المستقلة غير المسؤولة.

أطراف المسائل التي لم تعرفها القوانين هي موضوع لاستقبال العرف، أو للعدالة العالمية في حال غياب العرف. لملاحظة العرف وتطبيقه على النزاعات الخاصة هو تنفيذ لمسلك السلطة القضائية وليس لمسلك التشريع. تطبيق العدالة أو العدالة التوزيعية في أي نزاع محدد، يتبع أو يجب أن يتبع المواضيع القليلة التي يلتزم فيها المتقاضي تجاه آخرون، من غير الممكن أن يعود للمشرع، الوزير الوحيد لهذه العدالة أو العدالة العامة، الذي بدون الاعتماد على ظروف محددة، يحتضن عالمية الشعوب والأشياء. تدخل القانون في المسائل الخاصة للأفراد غالبا ما يكون مشبوه بالتحيز، ودائما تكون رجعية الأثر غير عادلة لأولئك الذين سبقت وقائعهم وجود القوانين.

الأكثر من ذلك، اللجوء إلى المشرع من الممكن أن يستتبع تأخير مهلك للمتقاضين، والأسوأ من ذلك، من الممكن ان يوصل إلى توسيط بين حكمة وقداسة القوانين.

في الحقيقة، القوانين وضعت للجميع، هي تعتبر الأفراد كجماعة، كأفراد، هي لا يجب عليها أن تورط نفسها في الحقائق الفردية او النزاعات التي تقسم المواطنين. عندما كان هناك طريق آخر، القوانين الجديدة يمكن ان تمر يوميا، وكثرتها من الممكن أن تخمد كرامتها وتضعف استحقاقيتها. السلطة القضائية ستكون بلا وظيفة، والمشرع تعثر في التفاصيل، وقريبا سيكون أكثر من السلطة القضائية. السلطة التشريعية ستكون محاصرة بالمصالح الفردية، وستتحول عند كل منعطف عن المصالح العامة للمجتمع.

هناك علم للمشرعين، كما هناك واحد للقضاة، والواحد منهم لا يماثل الآخر. علم صناعة القانون يتألف من إيجاد – في أي منطقة – تلك المبادئ الأكثر تفضيلا للصالح العام، وعلم القضاة هو في وضع تلك المبادئ موضع التنفيذ، تشبعها وتمدها بالتطبيق العقلاني والحكيم، وللسيناريوهات الخاصة، فحص روح القانون عندما يكون الحرف صامت وعدم إعمال خطر الوجود، من خلال تحويل المتمردين والرقيق، والعصيان على شعور الخضوع.

لابد للمشرع من إبقاء عينه يقظة على السوابق القضائية، هي من الممكن أن تثقف صانع القانون الذي بالمقابل، ممكن أن يصححها، ولكنها يجب أن تكون مجرد سوابق قضائية. في هذا الاتساع للأهداف المتنوعة، التي تفعل المسائل المدنية، والأحكام التي في غالبية الأحوال تفقد التطبيق لقواعد محددة مقارنة بمزج تلك القواعد الذي يؤدي إلى تطبيق قرارات أكثر من التي تتضمنها، لا يمكننا فعل شيء بلا السوابق القضائية سوى أن نضع القانون. فهي تلك السوابق القضائية التي نترك لها المسائل الاستثنائية والنادرة التي لا تتناسب مع التشريع العقلاني. هذه التفاصيل المتنوعة والمستمرة لا يجب أن تشغل بال المشرع، ولتلك المسائل التي سيكون توفيرها بلا جدوى، أو تلك الأحكام المتنوعة التي لا تخلو من المخاطرة، نحن نترك النص لحشو السوابق القضائية الناجح في تلك الفراغات. القوانين الشائعة كلها صنعت بعد فوات الأوان في حين أنها لا تصنع حديث جدي.

اعتقدنا انه من المفيد ان نبدأ عملنا مع الكتاب الاولي للتشريع والقانون عموما.

القانون هو سبب عالمي، وسبب سامي يوجد مع طبيعة الأشياء. التشريع هو أو يجب أن يكون ليس أكثر من مجرد تمثيل لقواعد ومبادئ محددة.

القانون ملزم أخلاقيا، لكن بحد ذاته لا يحمل أي قيود، هو يوجه بينما التشريع يأمر، القانون هو الخريطة، والتشريع هو البوصلة.

القانون الطبيعي والقانون الذي من صنع الإنسان لا يختلفون في مادتهما، لكن فقط في مسائل التطبيق. السبب، تقرر عند تنظيم الأفراد غير المحددين، أنه يسمى القانون الطبيعي، وفي العلاقات بين السكان يسمى القانون الدولي أو قانون الشعوب.

إذا تكلمنا عن القانون الدولي الطبيعي أو الإيجابي، فهو في سبيل تمييز المبادئ الأبدية للعدالة، التي لم يسبق للناس أن فعلوها والتي موضوعها هو الأجساد المتنوعة للأمم وليس مجرد الأفراد، من التصالح، المعاهدات، الأعراف، التي هي من عمل الشعوب.

عند صب نظرنا على حقيقة أن غالبية الفقهاء قد مُنحوا للتشريع، نلاحظ كم هي تلك المعاني معيبة. فهي بأي حال من الأحوال تجعلنا غير قادرين على تقييم الفرق بين المبادئ الأخلاقية وقانون الدولة.

في أي مدينة، القانون هو إعلان رسمي لإرادة السلطة على المسائل التي تهم الصالح العام.

جميع القوانين تعنى بالأفراد أو الملكية، والملكية المعدة للاستخدام من قبل الأفراد.

أنه لمن المهم، حتى عند التعامل مع القضايا المدنية فقط، إعطاء مفهوم عام للأنواع المختلفة من القوانين التي تنظم السكان، كما هي كل القوانين، أيا كانت طبيعتها، هي بالضرورة مرتبطة. لا توجد مسائل خاصة عند انعدام مظاهر الإدارة العامة، كما ليست هناك مسائل عامة إلى مدى معين، تلمس مبادئ العدالة التوزيعية التي تنظم المصالح الخاصة.

لمعرفة الأقسام المختلفة من القوانين، نحتاج فقط للنظر إلى الأنواع المختلفة للعلاقات التي تمتد بين الأفراد الذين يعيشون في المجتمع ذاته.

العلاقة بين أولئك الذين ينظمون والمنَظَمون، وبين المواطنين بعضهم البعض، فهي مسائل للدستور والقانون السياسي.

القانون المدني يوفر للعلاقات الطبيعة أو التعاقدية، الجبرية أو الطوعية، الضرورية أو المناسبة، ذاك القيد الذي يلزم أي فرد تجاه الفرد الآخر أو ربما تجاه عدد منهم.

القانون المدني هو تحت حماية القوانين السياسية، فهي لابد من أن تنسجم مع تلك القوانين، الضرر العظيم هو الذي ممكن أن يحدث في حالة التناقض ما بين المبادئ التي تحكم الأفراد.

القوانين الجنائية أو قوانين العقوبات هي أقل كتحديد فئوي من بقية القوانين مما هي عليه في كونها الجانب العقابي لها جميعا.

فهي بالمعنى الدقيق للكلمة لا تنظم العلاقات بين الأفراد، بل تنظم تلك التي بين الأفراد والقوانين التي تطبق عليهم جميعا.

الشؤون العسكرية، التجارة، الضرائب، مواضيع أخرى متنوعة، تفترض وجود علاقات محددة لا تنتمي حصرا إلى أي من الفئات السابقة.

القوانين، بالمعنى الجوهري تختلف عن التنظيم البسيط، القوانين لها أن تنشأ القواعد الأساسية في أي ميدان وتحدد الأشكال الأساسية. التفاصيل التي تتضمن التنفيذ، الإجراءات الوقائية العارضة أو الوقتية، الأهداف العابرة أو المتقلبة، وفي كلمة واحدة، كل الأشياء التي تتطلب مراقبة من السلطة والتي تتطلب أكثر من التدخل القضائي للسلطة التي تؤسس أو تصنع، تقع ضمن اختصاص اللوائح، اللوائح هي فعل للقضاء، في حين القوانين هي فعل للسيادة.

كون أن القوانين لا يمكنها أن تلزم دون أن تكون معلومة، نحن نشغل أنفسنا مع طريقة نشرها. فهي من غير الممكن أن تخطر لكل فرد. فنحن ملزمون بالاستمرار بالدعاية النسبية التي في الوقت الذي لا يمكن أن تزود في وقت معين في ذهن كل مواطن، تعرفه بالقانون الذي لابد أن يمتثل له، والتي في النهاية كافية لمنع أي تعسف عندما يدخل القانون حيز التنفيذ.

قد تعرفنا على الآثار المتنوعة للقانون. هي تمنع أو تسمح، هي تأمر، تنشئ، تصحح، تعاقب أو تكافئ. هي ملزمة لجميع من يعيشون تحت سيطرتها، بلا تمييز، وحتى الأجانب أثناء إقامتهم فهم خاضعون للاختصاص العارض لقانون الدولة. العيش في إقليم معين هو إخضاع المرء نفسه لسيادة في هذا الإقليم.

طالما كان ما يتوافق مع القانون قانوني. مع ذلك، الذي يتوافق مع القانون ليس دائما مستقيم، فالقوانين تهتم في الصالح السياسية للمجتمع أكثر من اهتمامها بالكمال الأخلاقي للأفراد.

بشكل عام، القوانين ليس لها أثر رجعي. هذا المبدأ لا يقبل الجدال فيه. على الرغم من ذلك، قد قيدنا من هذا المبدأ للقوانين الجديدة، لم نمد هذا المبدأ لتلك التي تفعل أكثر بقليل من استدعاء او تفسير القوانين القديمة. أخطاء التدخل أو الانتهاكات ليست قانونا مالم تكن في الفترة ما بين قانون معين والقانون اللاحق عليه، فهي منصوص عليها من خلال إجراءات، أحكام نهائية، أو من خلال قرارات التحكيم التي اكتسبت قوة الأمر المقضي.

القوانين تحتفظ بأثرها طالما لم يتم إلغائها بواسطة قوانين أخرى أو لم يتم هجرها. إذا كان غير مسموح لنا بإلغاء القوانين من خلال الهجر او عدم الاستخدام، فهو بسبب أنه من الخطير فعل ذلك. لكننا نحجب وجوهنا عن نفوذها وفائدتها من خلال اتفاق غير مقصود، بقوة مخفية التي تكون خالية من الصدمات أو الاضطرابات، الشعوب تتخلص من القوانين السيئة على ما يبدو لحماية المجتمع من المفاجآت التي تظهر أمام المشرع، والمشرع امام نفسه.

السلطة القضائية التي أنشأت لغرض تطبيق القوانين، تحتاج لإن تكون مقادة خلال هذا التطبيق بقواعد محددة. قد رسمنا تلك القواعد، هي من النوع التي لا يمكن لأي سبب محدد للفرد أن يسود على القانون، وهذا هو السبب العام.

عند إعداد مسودة الكتاب الأولي للقانون والتشريع بشكل عام، انتقلنا بعدها إلى الأشياء المعد القانون المدني لغرض حمايتها وتنظيمها.

عند تقسيم الدول إلى دول القانون العرفي ودول القانون المكتوب، فرنسا في جزء منها عرفية وجزء آخر قانون مكتوب. هناك عدد من الأوامر الملكية تشمل الامبراطورية بشكل كامل.

منذ الثورة، القانون الفرنسي أخضع تغييرات معتبرة على نقاط مهمة. هل علينا أن نضع جانبا كل ما هو جديد؟ وهل علينا أن نزدري كل ما هو قديم؟

القانون المكتوب الذي أعد من القوانين الرومانية وأوروبا المتمدنة. الاكتشاف الذي صنعه أسلافنا من قانون جستنيان، كان بالنسبة لهم نوع من الوحي. كان في الوقت الذي كانت فيه محاكمنا تأخذ شكل أكثر تنظيما، والسلطة المروعة لليمين كانت مقدمة للمبادئ.

غالبية من أدان القانون الروماني مع قدر من المرارة، قد كفروا بالشي الذي لا يعلموه. يستطيع الفرد أن يقتنع لو أن في التشكيلة التي سلمت من ذلك القانون، يمكن للفرد أن يميز بين تلك القوانين التي تستحق ان يطلق عليها العقل المكتوب وتلك التي تعتبر مجرد مؤسسات محددة. غريبة على مواقفنا وممارستنا، إذا كان الفرد يستطيع التمييز بين استفتاءات مجلس الشيوخ، وفتاوى الأمراء الجيدون، ورسالة الأباطرة، نوع من القانون المعدم، تمنح مزايا او أرباح، ومصنوعة في المحاكم حيث العديد من الوحوش الذين أتلفوا روما وباعوا القرارات والقوانين.

وسط أعرافنا العديدة، مما لا شك فيه هناك بعض منها تتحمل علامات همجيتنا الأخيرة. لكن هناك أيضا بعض منها استحقت شرف الحكمة لأباءنا. تلك التي شكلت شخصيتنا الوطنية، والتي كانت ذات قيمة في أفضل الأوقات. نحن فقط قد نسينا تلك القوانين التي برزت روحها قبل روح أخرى منها، الرسالة التي تشكل مصدر يومي للجدال الذي لا نهاية له، والتي تعتبر طاردة لكلا من العقل والأخلاق.

من خلال اختبار أكثر الأوامر الملكية الأخيرة، احتفظنا بكل ما هو متصل بالأوامر الرئيسية للمجتمعات، الصيانة للآداب العامة، الأمان للتراث، والرفاهية العامة.

نحن قد استحقينا، وسط القوانين التي أنشأت من خلال المجالس الوطنية على المسائل المدنية، كل تلك الارتباطات للتغييرات العظيمة المعمولة في الأوامر السياسية أو التي بحد ذاتها عينتنا كالأفضل لارتداء وتحقيق المؤسسية. لابد من أن يكون هناك تغيير عندما أكثر أحداق الابتكار إذا أمكن القول ستكون للابتكار. لا يجب أن نخضع للمنع المتهور. كل شيء هو قديم الآن كان يوما جديد. لمن المهم أن المؤسسات الجديدة تكون صنعت بشخصية وأداء واستقرار ممكن ان يضمن لها الحق بأن تكون يوما قديمة.

قد وصلنا إن صح التعبير إلى إيجاد حل وسط بين القانون المكتوب والقانون العرفي حيثما كان هناك إمكانية للانسجام بين مبادئها المعتبرة، أو لتعديل أحدها من خلال الآخر، بدون أن نعطل وحدة النظام وبدون ان نقلق الروح العامة. إنه من المفيد ان نحتفظ بكل تلك الأشياء التي ليس من الضروري تدميرها، القوانين لابد أن تكيف بين العادات طالما كانت تلك العادات ليست بسيئة. يمكن أن نسبب ذلك من خلال سلسلة البشرية التي تنتهي وتبدأ في كل لحظة بدون أن يكون هناك نوع من الاتصال بين الجيل الواحد والجيل التالي له. في خلافنا بعضنا البعض، الأجيال تمتزج، تتشابك وتنصهر. المشرع ممكن ان يعزل مؤسساته عن أي شيء على الأرض ممكن ان يبطل مفعوله. إذا لم يقم بمراقبة العلاقات الطبيعية التي دائما تتصل بعناية، لمدى بعيد أو قريب، الماضي والحاضر والمستقبل والتي تضمن أن الناس لن تتوقف مالم تباد أو تسقط في تدهور أسوأ من الإبادة وذلك حتى نقطة معينة حتى تشابه نفسها لمدى معين. في وقتنا الحاضر، أحببنا التغيير والإصلاح كثيرا، بينما فيما يتعلق بالمؤسسات والقوانين، القرون من الرفض هي خلفية لسوء الاستخدام، القرون من الفلسفة والتنوير في كثير من الأحيان تعين طور من النجاح.

الزواج، حكومة الأسرة، حالة الأبناء، أولياء الأمور، مسائل الإقامة في الموطن، حقوق الشخص الغائب، الطبائع المختلفة للملكية، المفاهيم المختلفة للاكتساب، حماية أو تضخيم ثروة الفرد، الميراث، العقود، تلك هي المبادئ المعتبرة للقانون المدني. لابد من أن ننصب المبادئ خلف مسودات قوانين تلك المسائل المهمة. ونشير إلى العلاقات التي تملكها تلك المسودات مع الأخلاق العامة العظيمة والجيدة، سعادة الأفراد، والوضع المستقبلي لكل الأشياء.

فقط في الأوقات الماضية التي وضعت فيها أفكار محددة فيما يتعلق بالزواج. المزيج بين المؤسسة المدنية والمؤسسة الدينية جنى على المفهوم الأساسي. بعض اللاهوتيين أبصروا فقط السر المقدس خلف الزواج، وغالبية الفقه رأوا فيه عقد مدني.

بعض المؤلفين جعلوا من الزواج نوع من التصرف الهجين، الذي يشمل كلا من العقد المدني والعقد الكنسي. القانون الطبيعي كان معد للا شيء في التصرف الأول والأعظم في الطبيعة.

الأفكار المشتتة أمسكت بجوهر وشخصية نتائج الاتحاد الزوجي في المضايقات اليومية في التشريع والسوابق القضائية. دائما هناك خلاف بين رجال الدين والامبراطور، حيثما هناك أهمية لوضع قوانين وإعطاء أحكام على هذه القضية المهمة. ما هو الزواج في حقيقته، ماذا أضافت القوانين المدنية على القوانين الطبيعية، ماذا أضافت القوانين الدينية على القوانين المدنية، ولأي مدى سلطة تلك الأنواع المختلفة من القوانين قد تصل، كل تلك الأشياء كانت غير معروفة.

عدم التأكيد هذا قد تلاشى بعيدا، كل هذا الإزعاج قد تبخر مع كل خطوة تؤخذ للأمام في سبيل المصادر الصحيحة للزواج، والتي يعود تاريخها للخليقة ذاتها.

نحن مقتنعون بأن الزواج، الذي وجد قبل أن تنشأ المسيحية، والذي سبق أي قانون، والذي يستمد من أساسيات وجودنا، هو ليس بتصرف مدني ولا ديني، بل تصرف من الطبيعة الذي جذب انتباه المشرعون والذي قدسه الدين.

عند الحديث عن الزواج، الفقه الروماني غالبا ما يشوش الأوامر الطبيعية، والتي تشمل كل الكائنات الحية، مع القانون الطبيعي الذي ينظم تحديدا الإنسان والذي وجد على العلاقات التي يملكها الوجود الحر والذكي مع الأقران. هذا يصير سؤال ما إذا كان هناك شخصية أخلاقية للزواج تعتبر في أوامر الطبيعة.

يمكن تخيل الوجود خال من الذكاء والذي يعطي الطريق للميل نحو التهور، ويكون بينهم مجرد صدفة لقاءات، أو تقارب دوري، مجرد من أي اعتبار للأخلاق. عند الإنسان، العقل بكثير أو بقليل متورط في كل التصرفات في حيواتهم، العاطفة منفصلة عن الغريزة، القانون يتبع الغريزة وكل ما هو نقي وسامي.

مما لا شك فيه، أن الرغبة العامة من جنس لآخر تنتمي ببطء إلى القوانين الفيزيائية للطبيعة، على الرغم من الاختيار، التفضيل، الحب، الذي يحدد من تلك الرغبة ويضعها بهدف واحد، أو الذي يعطي كحد أقصى درجة عظيمة من الطاقة باتجاه الهدف المفضل، الاحترام المتبادل، المهام المتبادلة والالتزامات تولد من مجرد تشكل الاتحاد، والذي ينشأ بين الوجود المعقول والمحسوس، كل هذا يقع في اختصاص القانون الطبيعي. بناء على ذلك، ليس هناك مجرد لقاء تمت ملاحظته هنا، بل هناك عقد حقيقي.

الحب أو الشعور بالتفضيل الذي يشكل هذا العقد، يعطينا الحل لجميع المشكلات التي تعرض بخصوص تعدد النساء والرجال في الزواج، هكذا في قبضة الحب، باستثناء وجود الحبيب، أحدهم لا معنى له للآخر. التفضيل الذي يمنحه أحدهم، والذي يسعى له الطرف الآخر، الالتزام لابد أن يكون متبادل. مباركة الطبيعة التي تعطينا ميل لا يقاوم، تمكن قلوبنا من السيطرة والوقوف على ذلك الميل. قد قيل بأن في مناخ وظروف معينة تعدد الزوجات قد يكون اقل اشمئزازا من ظروف ومناخ آخر. على الرغم من أن في جميع الدول مما لا يقبل المساومة مع جوهر الالتزام الذي من خلاله يعطي الفرد كل جسده وقلبه. بالتالي نحن قد قيدنا من مبدأ أن الزواج ممكن فقط أن يكون التزام بين فردين وأن حيثما يستمر الزواج الأول، الزواج الثاني ممكن ان لا يعقد.

التقارب بين الجنسين الذين جعلتهما الطبيعة فقط مختلفين، كلما كان هناك توحيد بينهم، كلما ظهرت النتائج ملموسة من ذلك. النساء تصبح أمهات، الغريزة الجديدة تتطور، مشاعر جديدة، التزامات جديدة تحصن التزامات موجودة سلفا. خصوبة النساء لن تكون بطيئة بإظهار نفسها من جديد. الطبيعة تمد من المدة الزمنية للاتحاد الزوجي بشكل غير ملحوظ، تدعم هذا الاتحاد سنة بعد سنة من خلال متع جديدة، والتزامات جديدة. وتحول كل موقف وكل حدث إلى فائدة، لترسم من ذلك أوامر جديدة من السعادة والمميزات.

تزايد مطالب الأبناء على مدار تعاقب طويل لسنوات، هو نتيجة الالتزام بالرعاية من قبل هؤلاء الذين جلبوهم للوجود. الوجود الإنساني موجود في الحقيقة قبل معرفة أساليب وأدوات العيش، كما هو الحال قبيل نهاية الحياة المهنية، غالبا البشر انقطعوا عن الحياة قبل انقطاعهم عن الوجود. مهد الطفولة يجب ان يحمى ضد الأمراض والاحتياجات التي تهاجمه. وفي عمر متقدم، العقل الانساني يحتاج للثقافة. أنه لمن الضروري مراقبة التطور البدائي للمشاعر، لكبح او قيادة أولى مراحل الشغف، لحماية العقل الجديد ضد كل أنواع الاغراءات التي تحيط بها، لمراقبة الطبيعة حتى لا يحبط العمل العظيم الذي ينتج بفعلنا.

كل هذا الوقت، الزوج، الزوجة والأبناء يجتمعون مع بعضهم تحت سقف واحد  ومن خلال اهتمامات تطور من التأثير العذب. الزوجين يشعران بالحاجة لحب بعضهم البعض، وأهمية حب كل منهما للآخر للأبد. أكثر المشاعر المقدمة لدى الرجل هي ولادة وتعزيز الحب الزوجي والحب الأبوي.

الشيخوخة، إن جاز لي أن أقول لا تأتي أبدا للأزواج المؤمنون والأفاضل، في وسط العمر، يظهر عبء قهر الحياة من خلال أكثر الذكريات تأثيرا، ومن خلال الأهمية الكبيرة لرعاية العائلة الصغيرة التي يجد المرء نفسه قد أعيدت ولادته بها، والتي تبدو أنها توقفه على حافة قبره.

كما هو الزواج بالنظر إلى ذاته وآثاره الطبيعية، محل مسؤولية القوانين. هي توفر لنا الأساس الخيالي للعقد بحد ذاته، وللعقد الدائم بالنظر لأهدافه.

في هذا العقد، على اعتبار الملاحظة التي سبق أن بيناها، يجعل كل من الزوجين موضوع لالتزامات تجاه الطرف الآخر، كما انه يلزمهم بالتزامات تجاه من يعطونهم الحياة، قوانين الشعوب المتمدنة آمنت بأهمية إنشاء إطارات لتلك الالتزامات. ونحن أنشأنا تلك الأطر.

عمومية وإجلال الزواج لوحدها ممكن أن توفر الدمج الغامض وغير القانوني الذي يكون غير مناسب لانتشار النوع.

القوانين المدنية لابد أن تبسط سلطتها بين الأزواج، بين الآباء والأبناء، لابد من أن تنظم الحكم في الأسرة. لقد بحثنا في الطبيعة عن أسلوب للحكم. السلطة الزوجية قد وجدت بناء على الحاجة للعطاء، في مجتمع ثنائي الأفراد، الصوت السائد لأحد الأطراف، وعلى الميل إلى الجنس الذي تنسب له الإيجابيات. هذه السلطة هي نوع من القضاء إذا تطلب الأمر، يعلو كل شيء في الدول الحرة، ليمنحه نطاق معين.

نعم، هناك حاجة إلى أن يتصرف الآباء كقضاة حقيقيون، كلما كانت إعادة صياغة الحرية تتطلب أيضا بأن يتصرف القضاة كآباء حقيقيون.

عندما نعرف جوهر، شخصية وهدف الزواج، سنكون جاهزون لاكتشاف العقبات التي تترتب عليه ومن تلك العقبات نستخلص القانون المناسب الذي ينشأ أصلا بفعل الطبيعة. حيال تلك الأشياء التي تنشأ بفعل الطبيعة، لابد من أن نضمنها بمآخذ العمر. بشكل عام، الزواج وجد لأولئك الذين يمكنهم الإمساك بعهدهم تجاه المؤسسة. هناك فقط استثناء طبيعي على تلك القاعدة للقانون الطبيعي للأشخاص الذين يكونون ذات صلة بدرجات معينة. الزواج لابد من أن يكون ممنوع بين كل الأصول والفروع على عمود النسب الواحد، ولسنا بحاجة لإعطاء أسباب لذلك، فهي واضحة لكل المشرعين. الزواج أيضا لابد أن يمنع بين الإخوة، لأن العائلة هي الملاذ الآمن للأخلاق، وتلك الأخلاق ممكن أن تكون ممهدة بمقدمات من الحب، الرغبة والإغراءات، التي تسبق وتجهز للزواج. حيثما امتدت تلك الممنوعات أبعد من ذلك، فسيكون لأسباب سياسية فقط.

نقص الحرية، التعليم، الخطأ على الأشخاص بفعل عوائق الطبيعة، كونهم منعوا من فكرة التناسق الحقيقي. ولاية الآباء، أولياء الأمور، تضع شرطا منصوص عليه في القانون. فقدان أي ولاية هو مجرد بطلان مدني. المشرع يمكنه في الاهتمامات العامة، أن ينشئ عوائق قد يراها مناسبه، وتلك العوائق هي ببساطة القانون المناسب.

عند وزن عوائق الزواج، النماذج والشروط الضرورية لسريانه، كنا قد نوهنا على تلك العوامل كونه من المناسب إصلاح الضرر أكثر من العقاب، وقمنا بالتمييز بين حالات البطلان التي ممكن ان تتسبب بها تصرفات الأطراف أو من خلال مرور الزمن، وتلك الحالات التي تعتبر من قبيل الإساءة التي يستنكرها ويدينها القانون.

يتضح مما لدينا بأن الزواج هو عقد دائم بالنظر إلى هدفه. القوانين الأخيرة كانت قد نظمت الطلاق، هل يجب علينا أن نحافظ عليها؟

في السماح بالطلاق، المشرع يعتزم لمعارضة الإيمان الديني بأبدية الزواج، وليس ما استقر عليه الضمير. هذا يفترض أن العاطفة الأكثر جموحا، تلك التي تخرب وتستمر بتخريب العالم، ممكنها أن تدمر الانسجام فيما بين الأزواج، وهذا يفترض أن التجاوزات ممكن ان تكون كافية لجعل الحياة لا تطاق بالنسبة لهؤلاء الأزواج وقبرها. لذا بعيدا عن القلق حيال طمأنينتهم، أمانهم وسعادتهم المستقبلية، لتلك الأشياء التي المشرع وحده يتحمل مسؤوليتها، أصبح من الممنوع جبر كل طرف منهم بالبقاء متصلا مع الآخر تجاهلا لكل الأسباب التي تفصلهم. بدون التعدي على نظرة الدين على هذا الموضوع، كما هي على موضوعات أخرى كثيرة، واستمرارا لتنظيم الأفراد استنادا لطبيعة الحرية، المشرع يوظف طاقته فقط لمنع الاضطراب الذي يضر المجتمع، لذا هو ينص على حدود للعاطفة وللمصادر التي لا نجرؤ على قمعها تماما. من هذا الانطباع، مسألة الطلاق أصبحت مسألة مدنية صرفه، الإجابة تتكون بناء على إيجابيات وسلبيات النتائج المترتبة على الطلاق بحد ذاته، والمنطلقة من منظور سياسي.

بمرور العمر، أصبح من المقبول أنه من الخطر بقدر ما هو من غير الإنساني إلزام زوجين مثقلين ببعضهما البعض، بلا أي طريق للعودة.

مع ذلك، حتى بين الأفراد حيث الانفصال منصوص عليه في القانون المدني، هناك ممارسة للانفصال الذي يحل قيود الزواج دون أن يكسرها.

إيجابيات وسلبيات الطلاق قدمت بطرق متنوعة من خلال العديد من المؤلفين الذين كتبوا في هذا الموضوع.

قيل عن الطلاق بأن كل الأشياء الجميلة للزواج أزيلت من خلال إعلان الانفصال الذي يريد التخلص من قيود الزواج. هو يضعف من الأحزان الفظيعة عندما لا يكون هناك أكثر عزاء من النظر إلى خلودهم، أن حياة الأزواج الذين لم يستمروا، والذين لا يمكن فصلهم، هو خسارة لكل الأجيال، تلك الاخلاق تفهم من الزواج غير المتطابق والذي لا يمكن أن يفصل، ذلك الزوج المشمئز من الزوجة الأبدية، يعطي نفسه الحق لعدم الوفاء بهدف الزواج. أخيرا، الانفصال المطلق هو أيضا يناقض صالح الأسرة كما يناقض الصالح العام للدولة.

من زاوية أخرى، المسؤولية في أنه من الخطر ترك القلب لأدواته وتقلباته الخاصة. لابد للمرء من أن يتحمل أسى الاشمئزاز وفي الحقيقة يعمل هذا لمنعهم عندما يعلم بأن هناك من يمنعهم، عندما يعلم المرء بانه ليس لدية القدرة على الطلاق، وحيث ليست هناك أي سلطة زوجية، أو أية سلطة أبوية، ولا يوجد حكم محلي، في حين عندما تكون هناك الإمكانية، فإن هذا الانفصال كاف ليعوض عدم الراحة في الحياة الزوجية، هذا الطلاق غير محبب للمرأة وللأطفال، ويقدم تهديد للأخلاق العامة، لكنة يعطي مساحة كافية للعاطفة، فلا يوجد ما هو مقدس أو ديني بالنسبة للرجل إذا كان هذا الارتباط غير طاهر، ذلك أن التكاثر الطبيعي للعرق الإنساني مكفول أفضل من خلال الثقة بين الأزواج الاوفياء أكثر من الإتحاد الذي يشعل خيال متنوع وغير مؤكد. أخيرا، إن الأوامر المناسبة للمجتمع بشكل عام مرتبطة بشكل أساسي باستقرار العائلات، التي تعتبر الأولى بالنسبة لجميع المجتمعات، والجذر والأساس للامبراطورية.

تلك هي الاعتبارات التي تدعم أو تناقض الطلاق. النتيجة هي أن الفائدة من الطلاق تجد أساسها في خطر الأذى العاطفي، والاعتدال الشديد في الرغبة، التطبيقات الصارمة قد تمنع انفصال السلبيات المطلق والذي يؤخذ على أنه لا ينفصل عن ذلك.

ماذا يجب على المشرع أن يفعل؟ قوانينهم يجب ألا تكون كاملة أكثر من تصرفات الأفراد الذين أعد لهم القانون. المشرع يجب أن يستند على الأخلاق، الشخصية، السياسة والمواقف الدينية للأمة التي يمثلها.

هل هناك دين مسيطر؟ ماهي معتقدات ذلك الدين؟ أم جميع الديانات تسمح بالانفصال؟ هل نحن في مرحلة جديدة أم في مجتمع قديم؟ ما هو تكوين الحكومة؟ كل تلك التساؤلات تنبثق من الزواج أكثر مما يمكن تخيله.

دعونا لا ننسى أن السؤال هو ليس في أن الزواج جيد بحد ذاته، بل ما إذا كان من المناسب للقانون أن يسمح لهذه السيطرة بالتوسط في المسائل التي بطبيعتها حرة، وفي أي مسائل القلب هو متورط.

 

في المجتمعات الجديدة، الزواج يكاد أن يعطي مفهوم استثنائي فيما يتعلق باتصاله مع التكاثر النوعي، لأن الشعوب الجديدة بحاجة للنمو والتعدد.

ليس بأي حال من الأحوال، صعب أن نبتذل الرجل الذي يملك العديد من الأبناء، بل ممكن أن يتخوفوا من عدم امتلاك ما يكفي منهم، لا توجد فضيحة من مرور المرأة بخلافة الأزواج، نحن نسمح بظهور الأطفال الضعاف والمشوهين، أو نمنع القدرة من الزواج لكل الأشخاص الذين ليسوا من عمر الآخر. هذا لا يتناسب البتة مع نظام الطبيعة. من ثم الزواج ينظم من خلال بعض القوانين السياسية بدلا من القوانين المدنية والقوانين الطبيعية. العرف القديم الذي يسمح للمواطن الروماني بمنح زوجته للآخر الذي يكون أفضل للأبناء والتربية، كان قانون سياسي.

حيثما تكونت الأمة، هناك شعب كاف، الهدف من التكاثر يقل بسرعة، كرامة ولطف الزواج محل اهتمام أكثر من هدفه الأساسي، الأوامر الثابتة تبحث ضمن العائلة، لإعطاء حب منظم ومسيطر عليه والذي يمكن ان لا يعطل تلك الأوامر.

بالتالي القدرة على الطلاق تحظر وتمنع بالنظر إلى الأخلاق والأفكار المستقبلة في أي دولة، بالاعتماد على الحرية الأكثر أو الأقل التي لابد أن تمنح للنساء، بالنظر إلى ما إذا كان الأزواج مسيطرين بكثرة أو بقلة، بالنظر إلى الحاجة إلى تضييق الحكومة المحلية أو جعلها أقل قمعية، لتعزز المساواة في الثروات أو تمنع تلك العظيمة وتقسمها.

 

 

الجزء الثاني

ترجمة: شيخة حمود الجناعي

 

في العصور الحديثة، أثرت المعتقدات الدينية – عموماً – على قوانين الطلاق.

كان الطلاق مقبولاً عند الرومان، أصبحت الديانة المسيحية معتمدة داخل الإمبراطورية، وما زال يحدث الطلاق حتى القرن التاسع، لكنه أفسح الطريق للمبادئ المعلن عنها في طبيعة الزواج.

عندما كانت الكاثوليكية مسيطرة في فرنسا، والمؤسسات الدينية جزء لا يتجزأ من المؤسسات المدنية، كان من المستحيل للقانون المدني ألا يعلن عدم الانحلال والالتزام المعلن عنه من قبل الدين، والذي كان هو أيضاً قانون الولاية، لذا كان من الضروري وجود تناغم بين المبادئ التي تحكم البشر.

اليوم، حرية الأديان هي قانون أساسي، وغالبية مذاهب الأديان تسمح بالطلاق، فإمكانية الطلاق تجد نفسها مرتبطة بأذهاننا بحرية الضمير.

يمكن للمواطنين اعتناق أديان مختلفة، لذا وجب وجود قوانين للجميع.

لذلك نحن لا نفضل أن يكون الطلاق ممنوع بيننا لأن قانونا سيصبح متناقضاً مع العديد من الأديان التي تسمح به، ولن يأمل المواطنون في أن يدّعي الرجال الذين يعتنقون هذه الأديان أن الزواج هو رابطة أقوى من الدين نفسه.

علاوةً على ذلك اعتماداً على النظر في تنوع الأديان يخشى القانون المدني من أمراض أكبر، فلا يمكنه عمل أي ترابط أو إجبار زوجين غير سعيدين على البقاء معاً أو العيش في العزوبة الإجبارية والتي هي مضرة بالأخلاق والمجتمع.

القانون الذي يسمح بالطلاق لكل المواطنين دون تمييز، بدون عرقلة الأزواج الذين تتعارض معتقداتهم مع الطلاق هو نتيجة، نتيجة لنظامنا، ذلك بالقول أنها نتاج الحالة السياسية والدينية في فرنسا.

لكن الرغبة في أبدية الزواج كونها الرغبة الطبيعية ذاتها، يجب على القوانين أن تكبح العاطفة بشكل مفيد و أن تمنع العقود المقدسة من أن تصبح ألعوبة للنزوة، تقلباً، أو أن تصبح موضوعاً للتكهنات المخزية التي تقوم أساساتها على الشجع.

منذ قوانيننا الجديدة، قد يؤدي مجرد الادعاء بعدم التوافق في الطباع والشخصيات إلى انحلال الزواج.

الادعاء ليس هو الدليل، ففي التحليل النهائي عدم توافق الطباع والشخصيات ليس قابلاً لإثبات قانوني صارم، لضمان إيقاع الطلاق على هذه الأسس لإعطاء كل زوج الحق المكروه للتحلل من الزواج، هل يوجد عقد في العالم يستطيع طرف واحد التحلل منه دون أي رضا من قبل الطرف الذي تعاقد معه؟

وقد لوحظ أن الادعاء بعدم توافق الطباع والشخصيات قد يغطي السبب الحقيقي، النقاش العام بمن سيجلب العار للعائلات ويصبح فضيحة للمجتمع، ويضاف إلى ذلك أن الحياة الزوجية لهذين الزوجين يمكن أن تصبح لا تطاق خلال العديد من العوامل العدائية، توبيخ مر، ازدراء يومي ومستمر، لاذع وتناقضات عميقة، بمعنى آخر، كثرة من الأفعال لا يمكن أن يعد واحد منها جدياً، ولكنها معاً قد تكون التعاسة والعذاب الذي يعاني منه الزوج.

كل ذلك قد يكون صحيحاً، لكنه أيضاً صحيح أن هذا الاغتراب الناتج عن عدم التوافق في الطباع والشخصية قد يخفي عدم وجود أي أسباب معقولة، من سيضمن أن هناك سبباً للطلاق في قضية لا يوجد بها خبير؟

الزواج ليس موقف لكنه حقيقة، يجب ألا يشبه بأي حال من الأحوال تلك اللحظات العابرة التي تخلقها المتعة، والتي تدوم بدوام تلك المتعة، والتي تم استنكارها من قبل قوانين الناس المحكومة.

يقال، وجب أن تقدم المساعدة لكل الأزواج غير المتطابقين، فتتهم أخلاقنا وعاداتنا بتفضيل الزيجات الفاشلة، والعلاج الوحيد لتلك العلل يكمن في إمكانية الطلاق.

صحيح جداً أن كلا الزوجين قد يرتبطان معاً دون أن يعرف أحدهما الآخر، ويحكم عليهما العيش معاً دون أن يحب أحدهما الآخر، صحيح جداً أن التخطيط والطموح والثروة، وأحياناً الخيال والتهكم، يترأس التحالفات ومصير العائلة، عادة ما يتم التضحية بالخصائص الأخلاقية والطبيعية في سبيل الممتلكات المدنية.

لكن هل تستدعي مثل هذه الإساءات الآخرين؟ يجب أن يضاف فساد القوانين على فساد الرجال، فهل نستنتج من حقيقة وجود أزواج غير متطابقة، أنه لا يوجد هناك زواج مقدس غير قانوني؟ حيث الإساءات هي من فعل المشاعر، يجب أن يتم تصحيحها بالقوانين، لكن المعمول به بالقوانين أن العلل غير قابلة للعلاج لأنها تكمن في العلاج ذاته.

تقوم القوانين بكل سلطتها بمحاولة منع أخطاء الازدراء غير القابلة للإصلاح في الزواج، فتقوم بإشهار العقد، وتطلب موافقة الأب، الموافقة لذلك مبررة تماماً من خلال اعتباراتٍ مؤثرة للحكمة الأبوية والتنوير ومن خلال المشاعر الرقيقة، والتي هي فوق كل حكمة، ولكن على الرغم من هذه الاحتياطات لا تحقق دائما القوانين الغرض الذي أنشئت من أجله، ولا يمكننا إلا لوم الضعف الملازم للإنسانية.

في أي لحظة يقوم بها شخص بالادعاء أن منشأة الطلاق المتطرقة وضعت من أجل الزيجات غير المتطابقة؟ عندما يكون الزواج حراً أكثر من أي وقت مضى، عندما تسحب المساواة السياسية المساواة الشديدة للظروف، زوجان سيستسلمان لإلهام الطبيعة اللطيف ولن يجبرا بعد ذلك على النضال ضد الكبرياء، ضد كل الغرور الاجتماعي الذي سبب-للمصاهرة والزواج-الحرج والحاجة ولنجرؤ على القول إنها قاتلة للمصير نفسه.

ما نخشى حصوله اليوم هو، أن الأخلاق السائبة قد تستبدل المضايقة السابقة للزواج وهكذا، في وجود إمكانية كبيرة لحصول الطلاق، الليبرالية العادية-إن صح القول-ثمرة قبول التحول، وجب ان تأخذ مكان الزواج ذاته.

ومع ذلك، يقال أن محض الادعاء بعدم توافق الأطباع والشخصية لا يعول عليه، بتجريد الطلاق عن جميع مزاياه، نقول على غرار ذلك، أن إساءة استعمال الطلاق بالكاد تتضاعف وتتفاقم إذا تم التعويل على الأسباب المستنتجة من عدم توافق الأطباع والشخصية.

سيكون الادعاء بعدم التوافق سبباً لكل من لا يملك غيره، والأكثر أهمية، أن أغلب العقود لن يكون لها أي اتساق ولن تحصل على أي نوع من الاحترام، سيتم انتهاك الأخلاق باستمرار من قبل القانون.

لايزال الطلاق ساري المفعول بالموافقة المشتركة، على أساس أن الزواج مجتمع، ولا يوجد مجتمع أبدي.

لكن هل يمكننا مقارنة الزواج بالمجتمعات العادية؟

الزواج مجتمع، لكنه الأكثر طبيعة، الأكثر قداسة، غير القابل لانتهاك حرمته.

الزواج ضروري، لكن العقود الأخرى في المجتمع غير ضرورية.

فالأغراض التي تبدو مهمة للمجتمعات العادية يتم تحديدها من قبل إرادة الإنسان، بينما الغرض من الزواج يتم تحديده من قبل الطبيعة ذاتها.

في المجتمعات العادية، هذه المخاوف تحد من انتقال صناعة العقارات أو أقل، فالملكية تأتي في إطار الزواج عن طريق الصدفة، فجوهر العقد هو اتحاد الأشخاص.

في المجتمعات العادية، ينص المرء على نفسه بالاهتمامات السرية والخاصة، وكحكم سيادي لثروة المرء، في الزواج ينص الشخص ليس على نفسه فقط بل على الآخرين، يتعهد ليصبح أقرب إلى العناية بالعائلة الجديدة التي سيجلبها الشخص للحياة، ينص على الدولة لمجتمع إنساني أوسع.

لذلك الجمهور دائما طرف في مسألة الزواج، وبصورة مستقلة عن الجمهور دائما يوجد طرف ثالث يستحق الاهتمام الأكثر، ولا أحد يملك الإرادة ولا القوة لإلحاق الأذى بهم.

لذا لا يمكن للاتفاق المشترك أن يحل الطلاق، على الرغم أنه قد يحل أي مجتمع آخر.

لم تضعف الأمراض والعيوب قدرتنا على توفير أسباب للطلاق، ألم ينضم الأزواج في السراء والضراء؟ هل يجب أن يتخلى أحدهما عن الآخر عندما يفرض كل شيء عليهما أن يساعد كل منهما الآخر؟ هل ينتهي هذا الواجب بالراحة والمتعة، بالإشارة إلى تعبير القانون الروماني، الزواج ليس مجتمعاً كاملاً بين الزوجين، يتشاركان في السراء والضراء، مشاركة كل شيء الإلهي والبشري؟

عجز الزوج المراد الانفصال عنه، لربما كان منصوصاً عليه بعقد الزواج ذاته، كيف لذلك أن يمكن فرصة معقولة للطلاق؟ ألا يجب على الشفقة والامتنان أن يكونا مساعدين للحب؟

الطبيعة، والتي وهبت الإنسان العاطفة والعقل، أرادت لهم الالتزام الناشئ من اتحاد جنسين أن يقاد دائما من خلال المنطق والعاطفة.

ويقال في بعض الكتابات، أن كل شيء يسمح بالانفصال لهذين الشيئين الذين لا يستطيع احدهما أن يعمل بدون الآخر، لماذا إذا يجب على الأسس التي تسمح بانفصال الممتلكات أن تكون قادرة على إحلال الزواج؟ الزواج هو مجرد اتحاد بين شخصين، فالأزواج لديهم الحرية لعدم تسليم ثروتهم، لماذا إذا يعتمد الزواج على شيء أجنبي تماماً عنه؟

الانفصال الجسدي يستدعي أيضا انفصال في الممتلكات، لكن الانفصال في الممتلكات لا يستدعي الانفصال الجسدي.

قد يكون الزوج إدارياً فقيراً لكنه ليس زوجاً فقيراً، فقد يكون له حقوق لإخلاص زوجته دون وجود أي شيء يعترض على ثقتها، فهل سيجبر على خيانة قلبها ليحمي إرثها؟ أم يترك لها الإرث وبالتالي ستتبع قلبها؟

بشكل عام، لن يكون الطلاق مفروضاً بدون سبب، وأسباب الطلاق يجب أن تكون انتهاكات واضحة للعقد، وانطلاقاً من ذلك نقبل بالأسباب القانونية، الموت المدني فقط أقرب للموت الطبيعي، والجرائم أو الجنح التي قد يرتكبها الزوج تجاه الآخر، لم نعتقد أنه من المقبول جعل الطلاق أسهل من الانفصال مرة واحدة.

تم تخصيص المسائل المتعلقة بالطلاق لمجالس الأسرة، ونحن نعيدها للمحاكم، فلا غنى عن اشتراك نظام العدالة في هذه المسائل المهمة، فمجلس العائلة مكون من أشخاص مستعدون مسبقاً من للموافقة على كل ما يطلب منهم، عرضت فقط مجموعة من المتواطئين أو الأفراد المتذمرين الذين يتواطئون دائما مع الزوج ضد القانون، علاوة على ذلك يمكن بسهولة الاشتباه بالآباء بسهولة بالحب أو الكره تجاه أحد الأطراف، فتؤثر مصالحهم بشكل كبير على آرائهم، فنادرا ما يحتفظون بتلك المسائل التي يعامل بها محيطهم برفق، بالوقار الذي تتطلبه الأخلاق بكل ما يتعلق بها، أظهرت تجربة حزينة بشكل جيد اعتقاد الحلفاء والأصدقاء بأن تجمعهم هو أفضل ما يمكنهم القيام به، ما يمكنهم القيام به، لتحقيق المهمة الممنوحة لهم، وهي القيام بالتوقيع على صياغة المشاورات دون علمهم، وإظهار أنفسهم رغم كل ما يحدث.

علاوة على ذلك، كل ما يخص الحالة المدنية للبشر، اتفاقياتهم وحقوقهم المحترمة تنتمي بشكل أساسي للنظام القضائي.

بينما يكون الطلاق متحققاً بسبب، يجب أن يكون هذا السبب مؤكد، الذي يمكن أن نشعر بأن نقاط القانون التي تثيرها مثل هذه الأسباب قد يتم مناقشتها فقط من قبل المحكمة.

من أجل تجنب الخطر من مثل هكذا نقاش، يجب أن نرسم طريقة محددة للمضي، قادرين على جعلها متينة وكافية دون عرضها للجمهور، كل مسائل الطلاق وجب التعامل معها بالكاميرا لنتجنب الفضائح.

فجعلنا جميع النتائج قابلة للتسوية، للتقارب بين الزوجين.

الزوج الذي يحصل على الطلاق يجب أن يحتفظ-كتعويض-عن بعض المزايا المنصوص عليها في عقد الزواج، لأننا نفترض أنه سيفعل ذلك لهذا السبب وأن أفعاله ستجلب مشاكله للنهاية، ومع ذلك تحرمه من وضعه وبالتالي تترك ضرراً للإصلاح، فلا يوجد شيء لتحقيق التوازن بين شخص طلب الطلاق والآخر الذي جعله ضرورياً.

ونحن نرى أنه من الضروري، ومن أجل الصدق العام، أن تترك فترة بين الطلاق والزواج الثاني.

فقد تأمر المحكمة بانفصال مؤقت حيث يوجد أمل في إعادة السلام في المنزل، فتحث و تتملق طالما أنها غير مضطرة لإصدار الحكم.

بشكل عام، هدفنا في قانوننا للطلاق، كان لمنع الإساءة، ولحماية الزواج من الإنهيار في الأخلاق العامة، إنها منحدر زلق في الشر، فالعودة للخير تتطلب جهداً.

تتشكل العائلات عن طريق الزواج، وهم الأرض الخصبة للدولة، فكل عائلة عبارة عن مجتمع محدد ومميز، الحكم الذي يؤثر على العائلة العظيمة الذي يحاصرهم جميعاً.

من ناحية أخرى، وفقاً للأفكار التي طرحناها على عقود الزواج، من الواضح أن رضا الأطراف هو الذي يشكل العقد، إنه الولاء، أنه الوعد الذي يجعل الشخص يستحق أن ينضم له شريك، محطة الزواج، محطة شريفة أنها-وفقا للقدامى-فضيلة وليست شهوة، من المشرف أن يطلق عليها ذلك، لكنه من الواضح أيضاً أنه يجب إضفاء الطمأنينة على النوايا الحقيقية للرجل والمرأة عند انضمامهما معاً، من خلال الشروط والنماذج التي ستوضح وتضمن تأثير هذا الاتحاد، بالتالي كل الاحتياطات التي ناقشناها سابقاً والتي تم الأخذ بها من أجل مصداقية وتأكيد الزواج.

من خلال هذه الاحتياطات، يعرف الأزواج والتزامهم يقع تحت حماية القانون، المحاكم وجميع الناس الطيبين، يجب على الشخص التمييز بين الشهوة والإخلاص الزوجي، بين ضالة العاطفة والممارسة المنظمة لأغلى الحقوق الإنسانية.

أفعال الطبيعة في سر الإنجاب غامضة، وسيكون من المستحيل علينا أن نرفع الغطاء الذي يخفيها عنا، بدون زواج علني ورسمي، كل المسائل المتعلقة بالبنوة ستبقى مخبأة في الضباب، ستكون الأمومة مؤكدة أما الأبوة فلا، هل هناك زواج بالشكل المناسب؟ معترف به من قبل القانون والمجتمع؟ هنا سيكون الأب معروفاً هو الذي تم إثباته بالزواج، افتراض القانون قائم على التعايش بين الزوجين، على اهتمام ومراقبة الزوج، على الالتزام بافتراض براءة الزوجة عوضاً عن جريمتها، تضع حداً لكل أوجه عدم اليقين من جانب القاضي، وتضمن وضع الأشخاص والهدوء في العائلات.

فالقاعدة هي أن الأب هو من يثبت عن طريق الزواج، حتى يرد دليل واضح على عكس ذلك.

يطلق على الأطفال الذين يولدون عن طريق الزواج بالشرعيين، أنهم ثمرة الالتزام، الشرعية والصلاحية التي لا يمكن أن تكون غير مؤكدة من جانب القانون.

في حالة عقود الزواج الباطلة ولكن بوجود نية حسنة من طرف واحد أو كلا الطرفين، فوضع الأطفال غير متعرض للخطر، القانون الإيجابي والذي لا يستبعد القانون الطبيعي، والذي عندما يظهر أنه ينجرف بعيدا عن القانون الطبيعي، هنا فقط يجب مطابقة القانون مع حاجة المجتمع، وقد تمت الإشادة بالمبدأ الطبيعي أن جوهر الزواج يتسق مع الإيمان الذي يضعه كل من الزوجين في الآخر، ومن هنا، صحيح أن الزواج يقع ضمن النماذج التي تم إعدادها مسبقاً وفقاً للقوانين المعمول بها قادرين على إضفاء الشرعية على الأطفال، فالذين يتم قبولهم كأطفال شرعيين هم من تتم ولادتهم ضمن زواج مفترض، الزواج الذي يعتقد الزوج أنه شرعي، والذي تم توقيعه بحرية بين الأطراف، عن طريق نيتهم للوفاء بالواجبات المستوحاة من وضعهم للعيش تحت رعاية القيم ونقاء الحب الزوجي.

سببان رئيسيان أديا إلى تبني هذا المبدأ، الأول التأييد اللاصق باسم الزواج، اسم قوي لدرجة أن ظله يكفي للتطهير، في الأطفال المبدأ لولادتهم، الثاني هو حسن النية بهؤلاء الذين تعاقدوا على تعهد مماثل، يقر الوطن بنواياهم لإضفاء الشرعية على أبنائهم، فكونوا عهدا شريف، وآمنو أنهم اتبعوا الأمر المنصوص عليه في القانون، لترك المسألة قانونية.

مانع سري، حدث غير متوقع غاب عن نظرهم، لذا لا يمكننا أن نفشل في مكافئتهم للحصول على مرادهم، مظهر واسم الزواج، ونحجب نظرنا عن ماهية الأطفال ونرى ماذا أرادهم امهاتهم وآباؤهم أن يصبحوا.

وبفضل القانون العادي أنه جعل من حسن نية أحد الأطراف سبباً كافياً لإضفاء الشرعية على الأبناء الذي ولدو في ظل زواجهما، عدة فقهاء اعتقدوا ذلك، في هذه الحالة يكون الأطفال شرعيين في العلاقة مع أحد الأزواج وغير شرعيين في العلاقة مع الآخر، لكن تم رفض رأيهم بحجة أن هذه الحالة غير قابلة للتجزئة، وأن القرار يجب أن يكون لصالح الشرعية.

تم طرح سؤال عن الزواج اللاحق لولادة الأطفال هل يضفي عليهم صفة الشرعية؟ القانون الإنجليزي لا يعترف بالشرعية بسبب الزواج اللاحق، ذلك أن مثل هذه الشرعية تشجع على أخلاقيات غير منظمة، وتعطل تنظيم العائلات، في فرنسا، نحن غالباً ما نراعي المبادئ الطبيعية، والتي تنظم لصالح الأبناء، عوضا عن تلك الحالة التي تضحي لأجل مصالح المجتمع، فقوانينا تفترض دائماً أن الأب والأم اللذان تزوجا بعد أن عاشا معاً خارج إطار الزواج، لطالما أرادا الالتزام من خلال روابط الزواج، افترضا أن الزواج كان متعاقداً عليه على الأقل بالرغبة والأمل،  من وقت ولادة الأبناء، ومن خلال الخيال العادل بإعطاء أثر رجعي للزواج.

نحن لا نرى أنه من الضروري تغيير هذا الحكم الذي يبدو أن اسلافنا قد أثنوه لنا، لكننا أشرنا إلى الاحتياطات التي تمنعه من أن يصبح خطراً.

أصبحت حالة الأطفال الذين ولدو خارج إطار الزواج غير مؤكدة بسبب عدم تأييدها من قبل أي افتراضات قانونية، فتعتمد كلياً على حقائق غامضة والتي يستحيل اثباتها أحياناً، حدث ذلك، تحت غطاء الشرعية بالزواج اللاحق، اشخاص غامضون والذين لا يمكنهم إغلاق أعينهم عن رذيلة نشأتهم هددوا سكينة العائلات من خلال مطالبات ملفقة، مثل هذه الادعاءات تم ابداؤها بعد زوال كل من قادر على دحضها، فجعلت في المحاكم صدى هذه منازعات، الفضيحة والخطر الذي يقوض المجتمع ككل.

مثل هذه المساوئ يمكن تفاديها إذا سمح القانون بإضفاء الشرعية عن طريق الزواج اللاحق فقط لهؤلاء الأبناء الذين تم تعريفهم في لحظة الزواج فقط.

لا يفترض القانون شيئاً، وكوننا غير قادرين على افتراض أي شيء بالنسبة للأبناء الذين تمت ولادتهم بسبب اتحادات غير معروفة، فيجب تعريفهم عن طريق من منحوهم الحياة، ليصبحوا قادرين على المطالبة بحقوقهم، على خلاف ذلك، شرف الزوجات، سلام المساكن، ثروة المواطنين، كلها ستكون دائماً في خطر، قامت القوانين الجديدة بوضع أحكام لتلك النوايا السيئة، ونحن استبقينا على احكام تلك القوانين في هذا الصدد.

التملك كان أول-ولوقت طويل-الدليل الوحيد لحالة الرجال، كان الرجل معروفا لكونه زوجاً، الطفل الذي عاشا علنا، في واحدة أو غيرها من هذه العلاقات، في عائلة متأسسة، منذ اكتشاف الكتابة كل ذلك تغير، الزواج، الولادة والموت تم تدوينها في سجلات، بالتالي أصبح الدليل الأكثر شرعية لتلك المسائل هو المستمد من السجلات العامة.

مع ذلك، مثل هكذا إثبات رغم مظهره بأنه شرعي وأصلي، هو ليس الإثبات الوحيد، وليس من العدل أن إهمال الآباء، مراوغة أولئك الذين يحتفظون بالسجلات العامة، المصائب وسوء استخدام الوقت لربما تقلل من قدرة الرجل على إثبات حالته، في مسألة الإنصاف في القانون ليعترف بأي وقت أن دليل آخر قد يعوض فشل أو ضياع السجلات، ومثل هكذا دليل قد يستمد من عناوين أخرى أو من شهادات الشهود.

يجب أن نلاحظ مع ذلك، بالنسبة للمسائل المتعلقة في الحالات، يجب عدم الأخذ بأدلة الشهود دون الحيطة، فلم يكن الأمر دون كتابة، دليل ظاهر الوجاهة، يجب على المرء أن يكون محمي من كل أنواع الأدلة التي توحي بعدم الثقة، فقد يكون الشهود فاسدون أو محرضون، قد يكون نقلهم خاطئ، وقد ينجرفون-دون قصدهم-لأفكار أجنبية، كل شيء يحذرنا لنتحرس من الشهادة البسيطة.

سيكون سبباً خاطئاً للنزاع في مسائل الدولة، سهولة قبول الشهادة في المسائل الجنائية.

في المسائل الجناية سيجعل القانون نفسه غير قادراً على سماع الجرائم التي يريد عقابها، فإذا لم يتم قبول دليل الشهادة، الجرائم أفعال مكتوبة يتعرض لها القانون فقط عن طريق الصدفة، ونادراً ما يتم إثبات الحقائق النقية عن طريق الشهود، فالقبول يمتد لدليل الشهادة للبحث عن التحقيق في الجرائم لذلك هو مستمد من الضرورة.

ولا يمكن إيجاد مثل هذه الضرورة في المسائل المتعلقة بالحالات، ينص القانون على أن حالة الرجال يتم تعريفها من قبل المؤسسات الحكومية، فهو أكثر اهتماماً بالعائلات عوضاً عن الأفراد، فالمصير الغامض الذي قد يعترض الشخص الذي قد يتعرض لخطر غير عادل في وضعه أقل من الخطر الذي قد يهدد المجتمع ككل، إذا كان عن طريق الشهادات المشبوهة، فقد ينضم أي شخص لعائلة لا ينتمي لها.

ثانياً، البحث عن الجريمة يخص فعلاً لم يحدث في الماضي أو إن صح القول أمام أعيننا، فدليل الشهادة هو الدليل الطبيعي للحوادث الحديثة، مثل هذا الدليل ليس مناسباً للحالات التي ضاعت تقريباً في الماضي البعيد، خلال ظروف ستعقدها، عادة لا تقدم تأكيداً ولا راحة للبال.

أخيراً، في التحقيق في الجريمة، دليل الشهادة ينقى من خلال التناقض، اعتراض المتهم، وكل الطرق التي تضمن للمتهم الحق في الدفاع عن نفسه، أما في مسائل الحالات، لا يتم السعي في النزاع إلا بعد زوال الشخص الذي سيسلط الضوء على الغموض، أو دحض الافتراءات، فلا يوجد أي من الموارد في القضايا الجنائية التي تخدم في حالات الكذب والخداع.

لذلك قمنا بتجسيد المبدأ القائل، أنه في حالات الوضع، دليل الشهادة مقبول فقط في حالة تم تأييده بدليل ظاهر الوجاهة، ذلك بالقول كمستند وطني، مستند مكتوب من قبل شخص متوفى ولكنه ليس مشتبهاً به، رسائل رسمية تم إرسالها واستقبالها في الوقت المناسب، بالتقاء الحقائق التي أبقت أثراً دائماً والتي يمكن تجمعيها من أجل إيصال الحقيقة للضوء.

بعد إثبات الأدلة التي تضمن الوضع المدني للإنسان، ذهبنا لتفاصيل حكومة العائلات، الزوج هو رئيس الحكومة، يجب على الزوجة أن لا يكون لها موطن غير الذي لزوجها، هو يدير كل شيء، هو يراقب كل شيء، ممتلكات وأخلاق شريكه، ومع ذلك يجب أن تكون إدارة الزوج حكيمة، ورقابته متواضعة، فتأثير الزوج يحل نفسه على أنه حماية أكثر من أنه سلطة، هو الأقوى الذي تتم دعوته لحماية الأضعف، سلطة غير محدودة على النساء، كما رأينا ما ثبت في بعض البلدان سيكون بغيضاً على طابع الأمة و لطف قوانينا، نحن نعاني في جنس لطيف من الطرائف والهزليات والتي هي الكثير من النعم، وبدون تشجيع الأفعال التي قد تنتهك السلام وتسيء إلى الحشمة، لقد استبعدنا أي إجراء قد لا يكون متوافق مع الحريات المدنية.

يجب على الأبناء الخضوع للأب، ولكن يجب على الأخير أن يصغي فقط لصوت الطبيعة، الألطف والأحن من كل الأصوات، اسمه ككل في وقت واحد هو اسم الحب، الكرامة والقوة، ويسمى ذلك دينياً بتقوى الأب، لا يحمل في طياته قسوة سوى تلك التي ستجلب التوبة مرة أخرى لقلبٍ ضال، والتي لا تنوي بإلحاق العقاب ولكن إلى جعل المغفرة جديرة.

تنتهي قوة الآباء ببلوغ سن الرشد القانونية للأبناء، ولكنتها تنتهي فقط من الناحية المدنية، الاحترام والامتنان يستمر في طلب الواجبات التي لم يعد يطلبها المشرع، والفرق بين الأطفال الذين أعطوهم الحياة هو عمل الأخلاق لا عمل القانون.

على مدار الثورة، كانت سن الرشد القانونية هي الواحد والعشرون عاماً، ولم نرى أنه من المناسب إصلاح هذا القرار، وذلك لعدة أسباب، في قرننا، ألف سبب يساهم في تشكيل شبابنا في وقت مبكر، في كثير من الأحيان، فتقع في ترك الطفولة وراءها، روح المجتمع وروح الصناعة، منتشرة اليوم، تنشط الروح و تكمل التجارب والتي تجبر الفرد على تحمل ثقل مصيره في وقت أقرب، على الرغم من تلك الاعتبارات، نحن نرى ضرورة الحصول على موافقة الوالدين على الزواج حتى سن الخامسة والعشرين، فمثل هذا الفعل يحدد حياة سعيدة، فسيكون من غير الحكيم، فيما يتعلق بسيادة أكثر المشاعر جبروتاً، بشكل مفرط للحد من الوقت الذي يربط القانون حكمة الآباء بقرار الأبناء.

الوصاية، هي-في الحكم المحلي-نوع من الإدارة القضائية، والتي أنشأنا وقتها وعملها وفقاً للقوانين المألوفة لدى أغلب الدول المتحضرة، الوصي يكون على الشخص أو على الملكية، يجب أن يتم اختياره من قبل العائلة ومن ضمنها، حتى يكون له سبب في الاحتفاظ بالملكية، ويكون اهتمامه ولد من الشرف والمودة ليشرف على تعليم ورفاهية الشخص، ولا يجب عليه -دون وجود سبب مقنع-التخلص من ملكية الشيء الموكل إليه، يجب عليه أن يدير بحكمة و وفاء، يجب أن يكون معتمداً عليه لأنه المدير، فيجيب على تصرفه، لا يمكن أن يخطئ دون أن يكون بمقدرته إصلاح الضرر الذي قام بفعله، هذه هي النظرية الكاملة للوصاية.

تتعلق المسائل المتعلقة بالموطن-في أغلب الأوقات-بمركز الإنسان، لذلك موطن الزوجة هو موطن زوجها، وموطن الأبناء القصر هو موطن والدهم أو الوصي عليهم.

لا علاقة للموطن المدني بالموطن السياسي، فقد يوجد أحدهما دون وجود الآخر، فالزوجات والأبناء القصر لديهم موطن مدني وليس لديهم موطن سياسي، فالأخير يعتمد على المواطنة، فهي ترمز للمكان الذي يستوفي الشروط المشار إليها في القانون الدستوري، والذي يتم به ممارسة الحقوق السياسية المتعلقة بصفته كمواطن.

الموطن المدني هو المكان الذي يشغل به المرء علاقاته، ثروته وإقامته المعتادة، مجرد الغياب لا يعترض الموطن، فيستطيع الشخص تغيير موطنه في أي وقت يريد، وأي مسألة تتعلق بالموطن تتصل بالقانون والحقيقة، فقد وضعنا القواعد التي تقرر الموطن الحقيقي للشخص لأنه في كل الأفعال القانونية، وأيضاً أعمال الحياة العادية من المهم معرفة أين يتوطن الشخص، وذلك للوصول إليه.

الغياب حالة مؤقتة، فقد يغيب الشخص بسبب مصالحه هو، أو لغيره، يتمتع الأشخاص الغائبون أو على وجه التحديد الذين غابوا لأسباب عامة، بحقوق معينة بحماية القانون، وقد حددنا هذه الحقوق، وكان من الضروري أيضاً تحديد الوجود المفترض للشخص الغائب والذي لا أخبار عنه، حتى لانترك العائلات والممتلكات بعدم يقين مهلك، وقد اخترنا هذه المبادئ والتي نراها الأكثر إنصافاً والأقل عرضة لطرح العيوب.

وسيتبين أنه في كل مشاريع القوانين المتعلقة بمركز الإنسان، أشغلنا نفسنا فقط بالحالة المدنية حيث أن الحالة السياسية للشخص توضع من قبل الدستور، ومع ذلك قمنا بالإشارة للأجانب لتحديد المساحة التي لديهم في العلاقات المدنية، للمقارنة مع الإنسان الفرنسي والمساحة التي يختلفان فيها.

فيجب أن يقال، في السابق كان تواصل الأشخاص قليلاً مع بعضهم، فلم توجد علاقات بين الولايات ولم يأتوا سوياً إلا في الحرب، وذلك لإبادة بعضهم، إنه في تلك الأوقات التي تتبع كاتب روح القوانين تتبع أصول الحقوق السخيفة وحطام السفن، فيقول هؤلاء الرجال: “على الرغم أنه لا يربط بينهم أي قانون مدني، لكنهم يدينون لبعضهم من ناحية بعدم وجود أي نوع من العدالة ومن ناحية أخرى بعدم وجود أي نوع من الشفقة.

التجارة، في تطورها، قد أنقذتنا من الهمجيين والمدمرين، فقد وحدت وضمنت كل الأمم، البوصلة فتحت العالم والتجارة جعلته اجتماعي.

يعامل الأجانب بعدالة وإنسانية، وتعددت العلاقات بين البشر، وكان مفهوماً أن الإنسان ينتمي إلى مجتمع أوسع من البشر، وبالتالي إذا استمرت المؤسسة السياسية بأن تكون مخصصة لمواطني الدولة، يجب السماح للأجانب بالمشاركة في المؤسسات المدنية، والتي تؤثر على الحقوق المدنية للفرد أكثر من تأثيرها على حالة العامة للمواطنة.

بعد أن وضحنا كل ما يتعلق بالفرد، ننتقل الآن للممتلكات.

هناك عدة أنواع للممتلكات، لذا توجد عدة طرق لتلمكها والتخلص منها.

تقسم الممتلكات للمنقولات والعقارات، هذا أكثر تقسيم طبيعي وعام.

فملكية العقارات في كل الدول تكون لساكنها، حتى الآن أغلب الولايات لديها قوانين تمنع الأجانب من تملك أراضيها، فاستغلال هذه الأراضي يتطلب وجود السيد، فهذه الثروة تنتمي للدولة، أما المنقولات، كالنقود، الدفاتر، صكوك المقايضة، الحصص في البنوك والشركات، الأوعية وكل البضائع، كل ذلك مملوك للعام بأكمله، والذي بهذه العلاقات هو عبالة عن دولة واحدة وكل المجتمعات أعضاؤها، فمن يمتلك أكثر عدد من المنقولات هو الأغنى، كل ولاية تكتسبها من خلال تصدير سلعها، عمل المصانع الصناعة واكتشاف التجار حتى لو عن طريق الصدفة.

التفريق بين المنقولات والعقارات يعطينا فكرة المسائل المدنية والتجارية، فالثروة المنقولة هي تقاسم التجارة، بينما ملكية العقارات مجالها القانون المدني.

وهناك مع ذلك، منقولات يتم اعتبارها كعقارات، ذلك كونها من التبعيات أو امتيازات العقار أو أمور مدنية أخرى.

تحت نظام الحكم القديم، التفريق بين الشخص المميز والشخص غير المميز، النبلاء والعامة فيما يتعلق بالممتلكات، وهي مجموعة من التمييز التي اختفت ولا يمكن إعادة إحياءها.

فيمكن القول أنه كان يتم تصنيف الأشياء كما يتم تصنيف الأشخاص أنفسهم، فكانت توجد الملكية الإقطاعية والملكية غير الإقطاعية، الملكية الخادمة والملكية الحرة، لم يعد ذلك باقياً، فأبقينا فقط على الخدمات الحضارية والريفية، حيث أن الجمع بين الرجال أمر لا غنى عنه، والذي ينطلق من الحقوق التي تجعل المجتمع ممكناً.

في النقاش حول الفرق في الملكية، فرقنا بين الاستعمال البسيط وحق الانتفاع، وبين حق الانتفاع والملكية، فلقد عددنا أنواع المعاشات والحقوق التي تكون جزءاً من الملكية الفردية الخاصة.

القوانين التي وضعناها حول هذه الأشياء المختلفة، التفاصيل التي ستكونن مفيدة لعرضها هنا، تؤكد الذي تم ممارسته طوال الوقت، نحن فقط غيرنا أو عدلنا تلك التي لم تعد تطابق تنظيم الأشياء الحالي، أو التي تبينت مساوئها عند التطبيق.

العقود والميراث هما السببان الرئيسيان للحصول على مالا يملكه الغير أو التخلص مما يملكه الشخص.

في التعامل مع العقود قمنا بالتوسع بذكر مبادئ القانون الطبيعي والتي تطبق على الجميع.

ثم ناقشنا الصيغة التي يجب أن تكون عليها.

الكتابة في كل الدول المتحضرة هي السبب الطبيعي للإثبات، مع ذلك بالمشاركة مع القوانين المختلفة سمحنا بدليل الشهادة في الحالات التي يوجد بها دليل ظاهر الوجاهة يسنده، وهذا الدليل غير ضروري في مسائل التجارة، والتي تتم عادة في التبادل في السوق أو حتى في محادثة غير متوقعة.

بشكل عام يجب على البشر أن يتاجروا بحرية في حال جذب شيء انتباههم، الحاجة تجمعهم، فعقودهم تتضاعف وفقاً لما يحتاجه الآخرون، ولا يوجد ادعاء في العالم يقرر عدد الاتفاقيات في العلاقات الإنسانية سريعة التأثر، بالتالي يعرف تنظيم العقود تحت القانون الروماني بالعقود غير المسماة، فالحرية في الدخول العقد يتم كبحها فقط من قبل العدالة الأخلاق العامة والاهتمام العام.

ولكن تأتي الصعوبة عند محاولة وضع حدود لذلك.

هناك أشياء تكون العدالة فيها واضحة، الشريك على سبيل المثال والذي يأمل في المشاركة في كل أرباح الشركة ولكن دون المشاركة في خسائرها، الادعاء مروع, لا يطمح له الشخص خارج هذه الاتفاقية، عدم الإنصاف الذي حققه خطاب الاستفسار ذاته بموجب نص الاتفاقية، مع ذلك توجد أشياء قام خطاب العدالة بتعقيدها من خلال أسئلة أخرى، غالباً غير معروف بالقضية، لذلك معرفتنا المكتسبة بالزراعة لأجل البحث عن العدالة أو الظلم، المصلحة أو الخطر في اتفاقية معينة منصوص عليها في القرض الزراعي والاحتكار، مشروعية الشروط المنصوص عليها في العقود البحرية، وفي غيرها من الأمور، فتم ملاحظة أنه في هذه المسائل، مسألة القانون والأخلاق تابعة لمسائل الحسابات والإدارة.

النقود هي رمز لجميع القيم، فتتكفل بنتائج الربح أو نتائج الثمار، إذا لماذا يجب على الشخص الذي يحتاج لهذا الرمز أن لا يدفع لاستعماله، كما يدفع لكل الأشياء التي يحتاجها، فالنقود مثل هذه الأشياء، يتم إعطاؤها، إعارتها، تأجيرها وبيعها، فالمرتب مع خسارة رأس المال عبارة عن نقل للملكية، فعقد القرض مع الفائدة هو عبارة عن تأجير، الاستخدام المجاني الممنوح مقابل مبلغ من المال، المكافأة دون نص على فائدة ودون توقع إرجاعها هي عبارة عن تبرع، التبرع والقرض عبارة عن أفعال الكرم، لكن التأجير ونقل الملكية ليست أفعال ظالمة.

حتى تعمل علاقات المجتمع بسلاسة، يجب أن يكون للنقود قيمة، بدون ذلك لن يكون هناك مقرضون، أو لوضعها بشكل أفضل، سيكونون هناك لكن لن يعرفوا كيفية تعويض عدم كفاءة القانون عن طريق اشتراط اختراعاتهم، أو بوضع سعر مرتفع جدا لخطر الجريمة، الربا لم يكن أبشع من الفائدة عندما كانت محرمة، في منع مثل هذا الشيء الصادق والضروري، كان هذا لمصلحة تشويه سمعة من مارسوا الفعل نفسه وجعلهم أشخاص غير صادقين.

إذا كان يجب أن يكون للنقود سعر، يجب أن يكون هذا السعر متواضع، الفائدة المتواضعة على النقود تشجع المشاريع ذات الفائدة، تعطي من يأمل بزرع محصول جديد أملاً بمساعدته بسعر معقول، تجعل التجار والمصانع في وضع يمكنه معهم محاربة الصناعة الأجنبية.

العلاقات تحدد سعر النقود مستقلة عن السلطة، فلا يمكن للحكومة أن تأمل بوضع هذا السعر ضمن قوانين مستبدة، ومع ذلك تم تبني الفائدة القانونية في عقود الرهون والأفعال العامة، في المسائل المدنية العادية، عندما تكون العلاقات مؤيدة بدرجة من التأكيد، لم يكن سعر الفائدة راجعاً لتقلبات الطمع، تكوينات خاصة، وجماعة المقرضين.

مع ذلك، باستقلال عن الفائدة القانونية التي تخص المسائل المدنية، هناك في التجارة معدل للفائدة لا يمكن أن يكون موضوعاً للقانون.

لم نقم بمساس تعديل قيمة الفائدة القانونية، فهذا فقط يخص الحكومة، والإجراءات التي تتخذها الحكومة لا يمكن الاستعجال بها.

الفائدة القانونية مازالت محترمة حتى الآن لأنها تجد نفسها في تناغم مع قيمة المال في التجارة، هناك ألف سبب في الوقت الحالي لكسر هذا التناغم، السلام في إعطاء دفعة جديدة للتجارة، بتقليل نفقات الدولة، وبوضع حد لعمليات الدولة القسرية، سترجع التوازن وتعيد العلاقات لعوالم الاستقامة.

القوانين المدنية مع ذلك مستعدة لهذه الثورة السعيدة من خلال إعطاء المقرضين مثل هذا الأمان الذي سيجعلهم يستقرون بسعر متواضع للعوائد، وبالتالي المؤسسات التي قد تلهم الثقة، قواعد مناسبة تم وضعها على المسؤوليات المشتركة للمتضامنين، القوانين الحكيمة تضمن ثبات الرهون، والتي تبسط الأفعال التي قام بها الدائن ضد المدين، مناسبة للحفاظ على الدوائر التي تؤثر على سعر الفائدة والازدهار الوطني.

ما هو مؤكد أن سعر الفائدة هو قلب الدولة، والذي يمثل كل مرض في الجسم السياسي، التواضع في هذا السعر هو أوضح إشارة للثروة الحقيقية والمصلحة العامة.

تحدد النقود سعر باقي الأشياء، سواء العقارات أو المنقولات، هذا السعر مؤسس على مقارنة الوفرة والاحتياج النسبي للمال، وفرة وحاجة الأشياء أو البضائع التي يشتريها الشخص، لا يمكن علاجها بالقوانين، فالمبدأ الأساسي هو للاستسلام للمنافسة والحرية.

قبل استعمال النقود، كانت كل المسائل تجرى عن طريق قرض بسيط أو المقايضة، ومنذ استعمال النقود مضينا في البيع، الشراء وعدة أفعال أطلقنا عليها لفظ التجارة في الحياة المدنية، والتي وضعنا قواعد لتحكمها.

خفضت التجارة العادية في الحياة المدنية فقط للالتزامات المتعاقد عليها بين الأفراد التي تجلبها حاجاتهم وراحتهم، يجب أن لا يتم الخلط بينها وبين التجارة بالمعنى الدقيق للكلمة، فالغرض من جلب الأمم والبشر معا هو لملاقاة حاجاتهم، هذا النوع من التجارة، المعاملات التي عادة ما ترتبط بالتصاميم الكبرى للإدارة والسياسة، يجب أن تنظم من قبل قوانين معينة والتي لا يجب أن تكون جزءاً من القانون المدني.

فروح هذا القوانين تختلف عن روح القوانين المدنية.

يجب وجود حسن النية دون شك في المسائل المدنية والتجارية، المعاملة بالمثل والعدالة في العقود، لكن لضمان حسن النية والعدالة والمعاملة بالمثل في التعهد، سيكون من الخاطئ قياس المسائل المدنية على المسائل التجارية.

من الحكمة، على سبيل المثال، فصل المسائل التجارية عن مسائل التعويض، لأن مثل هذه العلاقات تخص المنقولات، الأشياء التي تتغير يد حاملها بسرعة بدون ترك أثر، والتي يكون من المستحيل التأكد من هويته، مع ذلك لن يكون ذلك ممكناً، بدون الظلم واللامعقولية، أن نرفض الاعتراف بأفعال التعويض في المسائل المدنية، والتي تقريباً كل ما تتعلق بالعقارات والتي تحكمها قاعدة ثابتة، يمكن تتبعها في حالة تغيير المالك، عن طريق بقائها، مما يجعله ممكنا وسهلا كل النقاشات حول الاهتمامات التي تفرضها العدالة.

ليس في التجارة أفعال المحاكمة للخسائر التي تتعدى نصف السعر، بسبب مرونة الأمور التجارية، المخاطر، وعدم اليقين، الحوادث العارضة التي تحيط العمليات التجارية والتي لا تسمح بهذه الأفعال، وذلك لسبب جيد، في وقت النقود الورقية والتدهور السريع لتلك الورقة تم إلغاء أفعال المحاكمة، حتى في المسائل المدنية، ذلك أنه في هذا الزمن تشاركت المسائل المدنية والمسائل التجارية بعدم اليقين والمرونة، مع ذلك، في وقتنا الحالي نرى أنه من الضروري إعادة تأسيس تلك الأفعال لأن العدالة تستطيع إعادة الحقوق ولأن العقود الخاصة لم تعد مهددة كما كانت في السابق، بعدم التنظيم في العلاقات العامة.

في التجارة، حيث لا يمكن دائماً رؤية أعظم الحظوظ، يتبع المرء الشخص عوضاً عن الممتلكات، حيث أن الضمانات والرهون العقارية شيئان غير معروفان تقريباً في التجارة، على خلاف المسائل المدنية حيث يتم تتبع الشيء وليس الشخص، يجب أن ينص على قوانين للرهون، ذلك بالقول أنه يجب وجود قوانين تستطيع أن تزود كل الثقة التي يبحث عنها الشخص في المسائل، ومع ذلك يجب عدم المبالغة في الإجراءات الاحتياطية، قوانينا الحديثة حول هذه المسائل صارمة، والخير السياسي كالخير الأخلاقي دائماً يوجد بين نقيضين اثنين.

يحكم المرء برداءة عندما يحكم بالمبالغة، فالشخص الذي يتعامل مع غيره يجب أن يكون حكيماً ومتنبهاً، يجب عليه أن يحمي مصالحه، يبحث عن المعلومات الصحيحة، ولا يتجاهل ما هو مفيد، دور القانون هو حمايتنا من خداع الآخرين، لكنه لا يعفينا من الاستفادة من منطقنا، حيث أن حياة الإنسان مراقبة من قبل القانون، ستصبح أقلية مخزية طويلة، ومثل هذه المراقبة تتحول إلى تشكيك.

هناك مبدأ آخر نص عليه القانون ليمنع شر الأشخاص، يجب أن يبدي صدق معين، صراحةً معينة، إذا بدأ الشخص بفكرة أنه يجب أن يدرأ الشر والإساءة من الأشخاص القادرين، ضاع كل شيء، سيقوم الشخص بتطبيق الرسميات ويضمن حماية محفوفة بالمخاطر للمواطنين، وسيكون العلاج أسوأ من المرض، بعض البشر سيئون لدرجة أنه لنحكم الجماهير بحكمة يجب على المرء أن يفترض أن أسوأ الأشخاص أفضل مما هم عليه.

قد تبدو هذه المبادئ منسية في مشاريع قوانيننا الحديثة حول الرهون.

دون شك يجب ألا يسمح للأشخاص بتضليل أحدهما الآخر في التعاملات المشتركة، لكنه يجب وجود درجة من الثقة وحسن النية، فأشكال القلق والطيش تفقد المصداقية دون ارتكاب فعل الاحتيال، فيشكلون عبء دون توفير الحماية، فكنا متيقنين أن قوانيننا الحديثة حول هذه المسائل ستقوم فقط بالمساهمة في شل كل العلاقات في المجتمع، لترهق الأطراف خلال إجراءات مشتركة، وذلك بهدف حماية الرهن، قاموا بالتنازل عنه، نرى أنه من الضروري العدة لنظام متواضع وأقل شبهة.

لن نكون تحت أوهام فيما يتعلق بالأصول الحقيقية للقانون لحماية الرهون، وهذه الأصول كلها مالية، كهذه التي تخص التحكم أو التسجيل في عديد من المسائل المدنية، فنعرف أن الاقتصاد قد يتم دمجه بحكمة مع التشريع، وأن الاهتمامات الضريبية قد يتم مزجها مع القانون، ولكن يجب أن نكون متيقظين وأن نخشى أن لا يتم التضحية بالاهتمامات القانونية في مثل هذا المزيج لصالح تشريع الضرائب، التسجيل على سبيل المثال هو أحد الأمور المالية التي تقدم الخير من الطرفين الاقتصاد والمواطنين، فتضمن صدق العقود والتعاملات بين الأفراد، لكن توقفت عن كونها مفيدة، وأصبحت ضارة عندما أصبح مبالغاً فيها.

القوانين المتطرفة كالرجال المنشغلين بالحاضر من خطر لم يأت بعد، يصبحون واثقين في طمعهم ويخاطرون بأمنهم خلال اتفاقيات شفهية أو مستترة غير قادرة على ضمان الأمان، والضرر أكبر بكثير عندما تصبح رسوم التسجيل باستقلال عن طبيعتها المعتدلة أو المفرطة، يتم فرضها بطريقة مثيرة جدل، ذلك بالقول عندما تكون الضريبة على هذه الرسوم متصلة بالأسئلة الشائكة بقضية قانونية، وأن المأمور أو المزارع لربما، لصالح الضلال الغامض، يمارس أخطر السلطات، ما نذكره عن التسجيل ينطبق أيضاً على قانون الرهن، ضمن كل هذه المؤسسات، نتجنب الرقة، دعنا لا نكثر من الاحتياطات  المرهقة، دعنا نسعى للتوفيق بين الفائدة والتشريعات الضريبية، تشير التجارب إلى أنه في المسائل ذات الاهتمام تفقد القوانين المفرطة إدراكها لذلك وفرض الضرائب لن يضر المواطنين دون الضرر النفسي.

حافظنا على الإصلاحات المفيدة والتي منذ وقت الثورة، صنعت لبيع ملكية العقارات، مثل هذا البيع لم يعد يعرقل من قبل بعض الحقوق، أو الاسترداد القانوني، والذي حاز على عدة مساوئ لتركه لسنة أو لعدة سنوات، تباع الملكية بدون مالك مؤكد، هذا بالذات كان ضاراً بالزراعة، ،  و قد ظننا أنه تجاوز كل الحدود في التذرع بآخر أثر للنظام الإقطاعي، مع ذلك نرى أن التأجير وتأجير الأراضي تم حظرها، ذلك أن التأجير لم يكن عقدا اقطاعي، والذي شجع على تنظيف الغابات وبالتالي أجبر مالك الأرض على بيعها لعدم تمكنه من زرعها بعناية، فأعطى للمزارعين الذين بعملون بجد والذين أنتجوا ثروتهم بعملهم، وسيلة سهلة ليصبحوا ملاك أراضي, ومع ذلك لم نكن قادرين على إخفاء المساوئ المرتبطة بهذا التشريع المعقد، والذي كان دائما مطلوبا لهذه العقود، وتركنا السؤال المتعلق بمدى ملائمة إعادة الوضع نفسه على حكمة الحكومة.

تشغل عقود الزواج جزءاً محدداً من مشروع القانون المدني.

فضمنا الحرية لمثل هذه العقود، والتي تربط العائلات، وتخلق عائلات جديدة، وتساهم كثيراً بتكاثر الجنس الإنساني.

نظام المهر كان في الدول ذات القوانين المكتوبة، واتفاق في الدول ذات العرف القانوني.

فللأزواج حرية تشكيل-في هذا الصدد-أي قانون يرونه مناسباً.

وعندما لا يوجد اتفاق محدد، تكون ملكية الأزواج مشتركة.

قد استقرينا على المزايا التي يمنحها كلاهما للآخر، واتبعنا روح المجتمع الزوجي، هو أحلى وأهم المجتمعات.

أما بالنسبة للعقود الأخرى، حددنا لأنفسنا تأكيد القواعد المشتركة، في هذه المسألة لن نتبع المبادئ التي سلمت لنا من قبل العصور القديمة، والتي ولدت مع العرق الإنساني.

جزء من القانون المدني يهدف إلى إنشاء تنظيم للخلافة بدا لنا مهماً.

هل الحق في الإرث له جذور في القانون الطبيعي؟ أم ببساطة في القانون الإيجابي؟ يستند النظام الذي سيتم تأسيسه على حل لهذه المشكلة العظيمة.

يولد المرء مع احتياجات، يجب أن يكون قادراً على أن يطعم ويلبس نفسه، بالتالي لديه الحق بتلك الأشياء الضرورية لنجاته وبقائه، وهنا تكمن أصول حقوق الملكية.

لن يقوم أحد بالزراعة، النثر أو البناء إن كانت الملكيات غير منفصلة، وإذا لم يكن كل مسموحاً لكل فرد بتملك مجاله.

حقوق الملكية في حد ذاتها مؤسسات مباشرة من الطبيعة، والمسائل التي تمارس هي ملحقات، تطور ونتيجة للحق ذاته.

مع ذلك حقوق الملكية تنتهي بانتهاء حياة المالك، بناءً على ذلك بعد مصرع المالك، ماذا سيحل بملكيته الشاغرة بعد موته؟

الإحساس الجيد والمصلحة العامة أنه لا يمكن تركها، هناك أسباب جيدة ومقنعة لتركها لعائلة المالك، مع ذلك، بالمعنى الدقيق للكلمة قد لا يطالب بها أي فرد من العائلة، كيف سيتم تقسيمها بين الأبناء، وفي غياب الأبناء بين الأقرباء؟ هل سيتم التمييز بين جنس على الآخر؟ هل سيتصل نوع من التفضيل بالبكورة؟ هل سيتم التعامل مع الأبناء الطبيعيين والشرعيين بتساوي؟ في حال لم يكن له أبناء هل سيتم استدعاء سلالته الجانبية دون تمييز؟ هل ستكون قابلية اختبارهم مقبولة؟ هل سيتم قبول القدرة علة التذكر؟ هل سيكون منصوص عليها أم محددة ببساطة؟

تدخل الدولة في كل ذلك لا غنى عنه، الحق في الميراث يجب أن يكون مضموناً وممنوحاً لأحدهم، يجب أن تحدد طريقة التوزيع ، حول الممتلكات التي أصبحت شاغرة بموت صاحبها، أولاً لا يوجد أي حق بمعنى الكلمة غير الذي للدولة، دعنا لانترك أي سوء فهم، هذا الحق يجب أن لا يكون إرث، هو ببساطة حق في الإدارة والحكومة، فلم يكن الحق في الوراثة متصلاً بالحكومة، وقد يرى المرء أن حياة أجريكولا Agricola بواسطة تاسيتوس Tacitus ، حيث يلعن الشعب الطغاة، كما الأباطرة الرومان الذي أجبروا المرء على نسبهم ورثة لها، لضمان عدم انتزاع الحصة المتبقية، لذلك لا ترث الدولة فهي هنا لتحدد نظام الميراث.

وجود هذا النظام ضروري، كما أن وجود القوانين ضروري أياً، فتتابع التوارث بشكل عام هو مؤسسة اجتماعية، مع ذلك كل شيء يخص طريقة توزيع الميراث هو إما قانون سياسي أو مدني.

القانون السياسي، الذي لا يتوقف على إيجابيات معينة عندما يحوي على قصد أوسع في عين الاعتبار، فيقاد خلال منطق الدولة أكثر من مبادئ المساواة، على العكس، يهدف القانون المدني الأساسي هو إنشاء الحقوق، والإيجابيات بين الأفراد، يميل أكثر من العدالة عن منطق الدولة.

كانت أول قوانين الرومان حول الخلافة تسترشد بالقانون السياسي، لذلك احتوت هذه القواعد على أحكام بدت غريبة بالنسبة لنا، فكان توزيع الأراضي متساو، كان الهدف هو الحفاظ على المساواة في التوزيع على أكبر قد من الإمكان، بالتالي الفتيات اللاتي ينتقلن لعائلة أخرى عن الطريق الزواج لا يستلمن أي شيء من عائلاتهن، والابنة الوحيدة لا ترث على الإطلاق، هذه القواعد غير عادلة وبغيضة، عندما يتم الحكم عليها على ضوء المنطق المدني.

ألهم القانون السياسي أيضاً عاداتنا الفرنسية العتيقة، كل ما يتعلق بروح الملكية والتي تسعى للتمييز، المزايا والتفضيل عند كل منعطف.

فآخر قوانين الرومان الواردة في مدونة جستنيان Justinian تمت كتاباتها مع ملائمة واعتبار للعدالة الطبيعية، فملكية الآباء والأمهات يتم اقتسامها بتساوي بين كل الأبناء، بدون تمييز بسبب الجنس، وفي غياب الأبناء بين أقرب الأقارب.

مالم تجد الأمة سبباً مقنعاً في حالتها لاتباع المنطق الساسي، سيكون مفيداً الاسترشاد بالمنطق المدني، والذي لا يصدم أحدا، يمنع المنافسات والكره بين العائلات، التي تحضن روح الأخوية العامة في المجتمع.

في الأوقات الحديثة، كان هناك الكثير من إدانة الوصية، وفي النظام في قوانيننا الفرنسية هذه الاحتمالية أصبحت مقيدة لدرجة أنها غير موجودة تقريباً.

نحن نتفق أنه لا مرء-بموجب الحق الطبيعي والفطري-يمتلك السلطة ليأمر بعد موته، ولينقذ نفسه إن صح التعبير، خلال الوصية الأخيرة، نتفق أنه على القانون أن يأسس تنظيم مسائل الخلافة، وأنه سيكون من السخرية والخطر منح أي شخص إمكانية غير محدودة للتعسف في استبعاد تطبيق القانون.

مع ذلك، لا يجب على القوانين، والتي قد تحكم فقط من قبل العامة، المبادئ الراسخة والمطلقة، ترك شيء لحكم المواطن، لتغيير ظروف الحياة؟ هل السلطة التي يحتفظ بها الموصي من قبل القانون هي سلطة القانون ذاته؟

هل من اللائق حرمان شخص في لحظاته الأخيرة من تجارة اللطف؟ هل يجب ترك القريب البعيد أن يبقى بدو خلف وبدون أمل؟ ماذا سيحل بالروابط الأبوية في الدرجات البعيدة في حال عدم تقويتها بروابط أخرى؟ ألا ينبغي الاهتمام بما يفرق البشر واستعماله بشيء جيد؟ عندما نستطيع توحيدهم وتقريبهم إلى بعض؟

يجب ألا يكون هناك عقوبة للفضائل المحلية، السلطة الأبوية، حكم العائلة؟ إذا كنا نخشى من وجود آباء غير عادلين لماذا لا نخشى من وجود أبناء غير طبيعيين؟ بالنظر للوضع الذي تجد فيه العائلة نفسها، أليس التوزيع غير المتساوي للملكية بين الأبناء سيكون مصدر لعدم المساواة الشنيعة؟ ضمن الطبقة العاملة في المجتمع أي طفل سيعين نفسه ليخلط بينه وبين عمل من أعطاه الحياة، إذا كان لا يتوقع مكافأة على كدحه، وإذا واجه التهديد من التعرض لسرقة ثمرة صناعته؟ وماذا سيحل بالفنانين والمزارعين في شيخوختهم، سيتم التخلي عنهم من قبل من منحوهم لهم الحياة؟، علاوة على ذلك ألا توجد ثروات يجب الاسترشاد برب الأسرة عند توزيعها؟

بدون شك كان صحيحاً لحرية الحركة والزراعة بمنع هذه البدائل غير المعقولة والتي تجعل مصالح الأحياء خاضعة لنزوات الموتى، و بإرادة جيل قد ذهب، الجيل الذي بقي يجد نفسه مضحى به باستمرار إلى جيل لم يأت بعد، إنه من الحكمة اخضاع أهلية الوصية لقواعد معينة، وفرض حدود، مع ذلك يجب ان يتم الحفاظ عليها ومنحها درجة من الحرية، حيث لا يعطي القانون أي حرية للمرء في الأمور المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالعاطفة الإنسانية كهذه، سيعمل المرء فقط على التحايل على القانون، الليبرالية المقنعة، التظاهر سيستبدل الوصايا، في حال تم منع الوصية أو أصبحت مقيدة بشدة سيكون الاحتيال المروع بين أصدق العائلات.

في نيابة الأحفاد المباشرين تقديم الميراث لصالح، تم تجاوز الحدود فيه فهو يخالف الحس الجيد، فيستدعي الغرباء على حساب القريب الأقرب، يمدد العلاقات بناءً على الحرية وراء نزاعات لا نهاية لها بالنسبة لترتيب الأشخاص، والتهشم المضحك في توزيع التركات، فيصيب كل فكرة العدالة، الملائمة والمنطق.

تفضيل الزواج، حماية الفضيلة، اهتمامات المجتمع بعدم معاملة الأبناء الطبيعيين كمعاملة الأبناء الشرعيين، هو عكس ترتيب الأشياء، ذلك أن الحق في الخلافة والمعتبر في كل الأمم المحتضرة هو ليس حق مواطنة ولكنه حق أسري يندرج ضمن أهلية الأشخاص المواطنين دون شك لكن لا يعترف بهم القانون بانتمائهم لأي أسرة، فهو يضمن لهم فقط المدى العادل، الخلافة التي تستدعيها لهم الإنسانية،  الحقوق الطبيعية تم ادعاؤها لهم عبثاً، فالحق في الوراثة ليس حقاً طبيعياً، هو بالكاد حق مجتمعي والذي يحكمه القانون السياسي والمدني، ولا يجب أن يكون بأي حال مخالفاً لأي حق مجتمعي.

فهناك المبادئ الأساسية التي بدأنا بها القانون المدني، وكان غرضنا ربط الفضيلة بالقانون، ونقل الروح الأسرية، والتي مهما قيل عنها هي أفضل من روح المواطنة، تضعف المشاعر عندما تصبح أكثر انتشاراً، بعض الاحتفاظ الطبيعي ضروري لتكوين العلاقات التقليدية، فقط الفضائل الخاصة قد تضمن الفضائل العامة، ومن خلال أرض الآباء والتي هي العائلة، يصبح المرء متصلاً بأرض الآباء، إن الآباء الجيدين، الأزواج الجيدين، الأبناء الجيدون من يصنعون مواطنين جيدين، فيقع بشكل أساسي على  عاتق المؤسسات المدنية إلى تصديق وحماية كل  الحب الصادق في الطبيعة، هل سيحقق التصميم الذي وضعناه لهذه المؤسسات الغرض الذي أردناه؟ نحن نرجوا تسامحاً لجهودنا الضعيفة لصالح التطرف الذي شجعها وتحملها، سنكون بلا شك أقل من الآمال الصادقة التي تم تصورها فيما يتعلق بمهمتنا، ولكننا نجد المواساة في معرفة أن أخطاءنا ليست غير قابلة للإصلاح، مناقشة رسمية ستصححها، والأمة الفرنسية، والتي سعت للحرية من خلال قوة السلاح، يجب الحفاظ عليها وتأكيدها من خلال القانون.

 

[1] ملاحظة المترجم: 23 أغسطس 1794.

[2] ملاحظة المترجم: 16 مارس 1802.

[3] ملاحظة المترجم: المجالس النيابية لم تكن برلمانات آنذاك، بل بالأحرى محاكم استئناف تجلس في معظم القرى والمدن الرئيسية في فرنسا، ومونتسكيو في أيامه خدم كالقاضي الرئيس في برلمان بوردوBordeaux .

[4]  ملاحظة المترجم: في الفقه الفرنسي، “القانون المتوسط” يعود إلى تشريع الفترة ما بين القانون القديم والقانون المدني.

[5]  ملاحظة المترجم: 21 يناير 1801.

[6] ملاحظة المترجم: فيليب أنتون ميرلون دو دويهMerlin de Douai ، (1838-1754) محام وسياسي فرنسي، اشتهر بإخلاصه للثورة، وأيضا عمل مسودة لأنواع من القانون، بناء على تقريره على التشريع المدني والجنائي.

[7] ملاحظة المترجم: جان جاك ريجيس دي كامباسيرس Jean Jacques Régis (1753-1824),الدوق الأول لبارما ولاحقاً دوق كامباسيرس، محامٍ فرنسي ورجل دولة خلال الثورة الفرنسية والإمبراطورية الفرنسية الأولى.

[8] ملاحظة المترجم: وفقاً للتقاليد الرومانية,اللوائح الإثنا عشر( باللاتينية: Leges Duodecim Tabularum)  كان التشريع الذي سُنَ في أساس القانون الروماني، و قد وحد التقاليد السابقة في مجموعة دائمة من القوانين.

مستقبــل كليــة الحقــوق: آفــاقٌ واسعــةٌ، احتمــالاتٌ مفتوحــة و فــرصٌ ممكنــة

قياسي

– 

مستقبــل كليــة الحقــوق:

آفــاقٌ واسعــةٌ، احتمــالاتٌ مفتوحــة و فــرصٌ ممكنــة

د. مشاعــل عبــد العزيــز الهاجــري

قسم القانون الخاص

كلية الحقوق – جامعة الكويت

‏23‏ مايــو‏، 2018

DSC_3929

صورة (1)

 

منذ فترة، وقعت في يدي صورةً نادرةً للمسوّدة الأصلية للدستور الكويتي، نُشرت مع مقابلةٍ قديمةٍ أُجريت عام 1963 – أي منذ أكثر من 50 عاماً – مع المرحوم الدكتور عثمان خليل عثمان، المستشار القانوني الذي ساهم في وضع دستور دولة الكويت (صورة 2).

تحت الصورة، لفتت نظري هذه الفقرة من حديثه:

“من الأقوال الشائعة في ما يتعلق بالدساتير أنها توضع بعقلية ما قبل اصدارها، مستوحاة من الماضي بظروفه و مشاكله، ولكننا راعينا اثناء غعداد هذا الدستور أن يأتي أقرب إلى مفاهيم الغد منه إلى مفاهيم الأمس، حتى بمقاييس اليوم”.

و هكذا، فإن مفاهيم “الغد” (غَدُه هو، عندما كان يتحدث عام 1963) هي مفاهيم “اليوم” (يومنا هذا).

يمكن إسقاط ذلك على المستقبل الأكاديمي لكلية الحقوق في جامعة الكويت. فوفقاً للأعراف الأكاديمية المستقرة، هناك جناحان للممارسة الجامعية، هما البحث العلمي و التدريس، إلا أن أياً منهما لا يرتفع في قيمته الأكاديمية إلا من خلال جملةً من العناصر، بعضها موجود فلا يتطلب الأمر إلا الاستمرار في استخدامه، و بعضها الآخر معطّلٌ فينبغي تنشيطه، فيما البعض الثالث منها غير موجودٍ ولكنه ممكن الاستحداث: إن الأمر يتعلق بالسعي الجاد نحو آفاقٍ واسعة، احتمالاتٌ مفتوحة و فرصٌ ممكنة، بشكلٍ يقارب ما تقدّم من منطق اعداد دستور الكويت.

هنا سردٌ لمنظوري الخاص حول الأمر، و هو سردٌ يدور في إطارٍ نظري/تطبيقي مرن، يستوعب الطبيعة الخاصة للجامعة باعتبارها مؤسسةً ديناميكيةُ ينبغي أن تجدّد نفسها باستمرار. إن الأمر لا يقف عند الأهداف فقط، و إنما يتعداها إلى الهيكل الفكري الذي ينبغي أن يتمدّد ليحتويها بمرونةٍ تستوعب إملاءات المرحلة، أياً ما كانت هذه الأهداف، و مهما بلغ من حجمها.

مسودة الدستور

صورة (2)

 

آفــاقٌ واسعــة: مجــالٌ كبيــرٌ للحركــة

(1) الجامعة مؤسسةٌ طليعية؛ ينبغي أن تتقدّم مؤسسات الدولة دائماً، إلا أن حركتها يجب أن تتم بخطواتٍ مدروسةٍ في ظل استراتيجياتٍ كبرى تعمل بمثابة خارطة طريقٍ لها (رؤية الكويت 2035، تقارير الأمم المتحدة، الخطة الاستراتيجية لجامعة الكويت). علينا أن نستحضر كل ذلك، بحيث تقود خطواتنا الإدارية الكلية باتجاه تلك الأهداف، لا بالإنحراف عنها.

(2) كلية الحقوق هي أولى كليات القانون في منطقة الخليج العربي (تأسست عام 1967)، و لها بذلك تاريخٌ فخور. و مع ذلك، يبدو للراصد أنها تتسم بطبيعةٍ انعزاليةٍ ما تفصلها عن الممارسة القانونية في العالم، رغماً عن اعتبارات العولمة، مما انعكس على تعاطي الكلية مع القانون المقارن. ينبغي لعب دورٍ أكبرٍ نحو استكشاف النظم القانونية المقارنة للتجديد في المعارف الحقوقية لمنتسبي الكلية.

(3) فيما عدا بعض البرامج الوقتيّة و المتفرّقة التي التي يعوزها عنصر الإستدامة، تفتقر البنية المؤسسية لكلية الحقوق لآليات تطوير أعضاء هيئة التدريس. لذلك، ينبغي الدفع باتجاه استحداث “وحدة لتدريب و تطوير أعضاء هيئة التدريس” بداخل الكلية، بما يحقق لهم فرص مواكبة المستجدات المتصلة بعملهم الأكاديمي و دورهم في تقديم تعليمٍ أفضلٍ للطلبة.

(4) رغم أنه من المحبّذ أن تكون لكليات الحقوق طبيعةٌ راسخةٌ ما انسجاماً مع الاستقرار القانوني، إلا أن المناهج و طرق التدريس فيها هي أقرب للجمود منها للاستقرار. في كثيرٍ من المقررات يُدرِّس الأستاذ لطلبته ما كان هو يَدْرِسَه عندما كان على مقاعد الدراسة، حارماً إياهم بذلك – بحسن نيةٍ أحياناً أو انسياقاً مع أجواء الاسترخاء الإداري المخاتلة و المريحة التي تعمّ البلاد أحياناً أخرى – من الانفتاح على التطوّر القانوني في العالم من حوله. إن إثارة هذا الأمر و جعله مادةً للنقاش المستمرّ في الكلية يجب أن يكون من الأولويات الأساتذة و الطلبة معاً. المعايير المؤسسية، أية معايير، إن لم ترتفع اانخفضت.

(5) من المواد التي تتطلبها المرحلة و التي  يمكن استحداثها في كلية الحقوق: السياسات التشريعية (التخطيط الاستراتيجي للتشريعات)، التشريع للأزمات، الإطار القانوني لأعمال جمعيات النفع العام (الفرص / الحدود / آليات الحصول على التمويل الدولي / الشراكات المحلية و الخارجية)، القانون و الواقع الإلكتروني، التنظيم القانوني للموارد المائية (البحار/ المضائق / التحلية)، الكويت كمركزٍ ماليّ و اقتصادي، المتطلبات القانونية لرؤية الكويت 2035، القانون و الثقافة، القانون في بيئةٍ متغيرة (التعامل القانوني مع الأجواء الإقليمية القلقة)، التنظيم القانوني للهجرة و العمالة (في بُعديه الوطني و الدولي)، النظام القانوني للاتحاد الأوروبي (لتعلم الدروس و الاسنفادة منها في مجلس التعاون الخليجي)، النظم القانونية المقارنة، الكتابة القانونية (التعليق على الأحكام القضائية / كتابة الفتاوى و الآراء القانونية / كتابة المقال الصحفي القانوني)، مكافحة الفساد (الحوكمة / غسيل الأموال / التربّح من الوظيفة العامة / نظم الرقابة الداخلية و الخارجية / الدور الرقابي المجتمعي)، التنظيم الدولي للاستثمار، الأخلاقيات القانونية، إدارة حقوق الملكية الفكرية، أعمال الحكومة و المؤسسات العامة، الجوانب القانونية لتمويل المشروعات التجارية، النظام القانوني في الصين (لا سيما و أن الكويت مقبلة على شراكاتٍ كبرى مع هذه البلاد)، شئون قانونية جارية (Current Legal Issues)، هيكلة اتفاقيات الأعمال (مدني / تجاري)، نظم الرعاية الصحية، تحديات القانون في ظل العولمة (العلاقة بين القانون الداخلي و القوانين المقارنة و القانون الدولي)، القانون و مخاطر التطوّر العلمي، القانون و التنمية (التنمية البشرية / حقوق الإنسان / التخطيط الحضري)، القانون و صناعة المؤسسات، أسواق المال الدولية، إدارة الدعاوى القضائية (الإثبات / الخبرة / التنفيذ)، عقد الصفقات التجارية (المفاوضة / صياغة العقود / المسئولية / التمويل/ التأمين / إدارة المخاطر / إدارة الديون)، آليات المطالبات المالية claims (في عقود التأمين / عقود الإنشاءات / عقود البترول)، القانون و صناعة المؤسسات، و عداها. الممكن هنا كبير، و خصب.

(6) أنبّه دائماً إلى أن كلية الحقوق، رغم تاريخها العريق، تخلو تماماً من المراكز العلمية البحثية المتخصّصة، إذ لم يتم استحداث أي مركزٍ بحثيّ فيها منذ إنشائها و حتى اليوم. صار من اللازم أن اعتبار الأمر أولويّة، و السعى إلى إنشاء مركزٍ للدراسات القانونية المقارنة في الكلية، تكون من مهامه دعم الأبحاث و الدراسات المعمّقة في القانون المقارن، و العمل كمركز إتصالٍ بين كلية الحقوق و المراكز البحثية الدولية ذات الغرض المماثل، إضافةً إلى تقديم الإستشارات للجهات الحكومية خلال المراحل التحضيرية لإعداد التشريعات و اللوائح، من واقع دراسة الإتجاهات الحديثة النظم القانونية المقارنة للخروج بتشريعاتٍ أفضل في الكويت.

مشاعل

صورة (3)

 

احتمــالاتٌ مفتوحــة: ما يمكــن أن يكــون

(1) الدراسة الحقوقيّة حول العالم تتغيّر (الأكاديميا) كما أن الممارسة القانونيّة تشهد تطوراً ملحوظاً (المحاماة)، ذلك أن التحوّل صار يجري الآن على قدمٍ و ساق من اقتصادٍ مبنىّ على المكوّن المادىّ إلى اقتصادٍ معرفيّ تكون فيه المعارف و المهارات هى قطب الرحى (كما تبيّن مؤشرات التنمية الإنسانية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى). من ذلك، إن الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelegence – AI) سيبداً بأخذ دور المحامين تدريجياً حتى يقلّ الطلب السوقيّ على خدماتهم (تقنيات ما يعرف بـ Block Chain و العقود الذكية Smart Contracts هما التغيير المستقبلىّ القادم، و الذي يبدو أنه قد بدأ سلفاً بإزاحة دور المحامين بهدوء). بذلك، فإن نوعية المهارات الحقوقية المطلوب خلقها في دارسي القانون بدأت تتغيّر، بحيث صار ينبغي اعداد قانونيين من صنفٍ رفيعٍ و متخصّص، فهؤلاء فقط هم من سيكتب لهم البقاء في سوق العمل خلال السنوات القادمة. ينبغي نشر هذه الثقافة في أوساط كل من أعضاء هيئة التدريس و الطلبة معاً.

(2) للأمانة العلمية / الأكاديمية مركز الصدارة، فتقع على رأس هرم القيم المؤسسيّة للجامعة عموماً و لكلية الحقوق تحديداً بسببٍ من الطبيعة القيميّة للدراسة فيها، الأمر الذي يتطلب التعاطي مع مسائل الغش الدراسي بأقصى درجات الجدية. و يثبت النظر المقارن أن المؤسسات لا تحرز النجاح في التصدي لمسألة الأمن المعلوماتي الا من خلال التجديد (المدارس / الجامعات / الجمارك / شركات الحاسب الآلي / المنافذ الحدودية – كل هذه مثالاً). إن وضع حدٍ لهذه الإشكالية إنما يكمن في أحداث تغييرٍ في فلسفة الأسئلة و أساليبها: لقد لوحظ أن الاختبارات التي تتطلب إجاباتٍ سرديةٍ أو وصفيةٍ أو اختيارٍ من متعددٍ لا تمثل تحدياً للطلاب لأنها لا تتطلب مهارات التفكير العليا، فهي بذلك تعتمد على التلقين و حفظ المناهج عن ظهر قلب، بما يسمح لغالبية الطلبة – و ليس فقط  للمستحقين منهم – بالانتقال إلى المراحل الدراسية المتقدّمة خلال مع بدرجاتٍ عالية و لكن مضلّلة للواقع. لذلك، ينبغي التعامل مع هذه الثقافة المؤسفة لإحداث تغييرٍ حقيقيّ في النسق / البارادايم، من خلال الحثّ على التخلي تماماً عن الأسئلة السرديّة / التقليديّة، و التحوّل إلى الأسئلة التحليليّة / التفكيكيّة، من خلال تغيير طريقة الأسئلة و أساليبها و التنسيق لتدريب الطلاب على هذا النمط الجديد من الأسئلة. و لكن الأهم من كل ما تقدم هنا هو وجوب تذّكر أن كلية الحقوق تحديداً  – و بدرجةٍ تفوق جميع مؤسسات المجتمع و تتعداها – يجب أن تمارس سياسة “الاحتمال صفر” (Zero-tolerence) عندما يتعلق الأمر بالغش الطلابي، فلا تبدي أي نوعٍ من التساهل تجاهه، لسببٍ واضح (و لكنه مزعجٌ و مؤرّق، ناهيك عن أنه محرجٌ سياسياً، مما يجعل كثيرون يشيحون ببصرهم عنه)، وهو أن غشاشي اليوم من طلبة الحقوق – إن تم التساهل معهم – سيكونون هم محامو المستقبل و وكلاء نيابته و قضاته. نحمد الله – و نفخر – أن الغالبية العظمى من طلبتنا ملتزمون و ذوي انضباطٍ عال، و لكننا ينبغي أن نذكّر أنفسنا دائماً – كليةً و مجتمعاً – بمغبّة التساهل في ذلك و بآثاره العامة الوخيمة على الجميع من دون استثناء).

(3) تحسين التجربة الدراسية للطلبة من ذوي الاحتياجات الخاصة هو أمرٌ يتطلب إلتفاتة خاصة (إعاقة سمعية / إعاقة بصرية / إعاقة حركية / بطيئي التعلم). يمكن عمل الكثير على هذه الجبهة (تعديلات مرفقية بسيطة، التعاون مع معاهدهم، تقديم مساعدةٍ تدريسيةٍ خاصةٍ و مُجَدْوَلَة). لنا تجارب تثبت أن الأمر – من دون أي تنازلٍ في المستوى الاكاديمي – لا يتطلب إلا تغييراتٍ بسيطة من الإدارة، و صبرٍ جميلٍ من الأساتذة. و بعدها، كانت النتائج دائماً مبهرة. في الحقيقة، ينبغي الإشارة إلى أن تفوّق هذه الفئة العنيدة من الطلبة هو أمرٌ ملحوظٌ و مثيرٌ للإعجاب.

(4) أغلب الدارسين في كلية الحقوق و أكثر مالئي قائمة الشرف السنوية لها هن من الفتيات، و مع ذلك، تُحرم طالباتنا من فرصٍ وظيفيةٍ مستعصيةٍ عديدة تتاح لزملائهن من الطلبة (النيابة / القضاء). لما كانت هذه المفارقة لا تستقيم مع اتجاهات كلية الحقوق و مقاصدها، ينبغي بذل الجهد للاتصال و التنسيق مع الجهات المعنية لفتح حوارٍ مستمرٍ بشأن هذه الإشكالية لكونها تحدّ من الفرص الوظيفية لخريجات الكلية.

(5) قدر كليات الحقوق أن تلعب دوراً في ترشيد آليات إصدار التشريعات في بلادها، و كليتنا ليست استثناء. يجب التذكير دائماً بأن القوانين ينبغي إلا تصدر إلا على ضوء أفكارٍ تشكّل في مجموعها سياساتٍ رئيسية كبرى، هي التي تحدّد – ابتداءً – الاعتبارات الخاصة بمدى الحاجة للقانون و نطاقه و اصداره و أوجه تطبيقه (يُطلق على هذه الأفكار مصطلح “السياسة التشريعية” legislative policy). و بذلك، فإن السياسة التشريعية تختلف في مضمونها عن التشريع، فإذا كان هذا الأخير يعالج موضوعاتٍ محددة بدقةٍ و قصر، فإن السياسة التشريعية تضع التصورات المتعلقة بالأوضاع العامة لمجالٍ معين (اقتصاد، إسكان، صحة، طاقة، إلخ)، و من ثم تحدّد ماهية القوانين الواجب إصدارها لتنظيم هذا المجال. و بذلك، فإن السياسية التشريعية تضع الخطوط الكبرى للمجال موضوع التشريع. فعلى سبيل المثال، لا تظهر الفاعلية الاقتصادية و الاجتماعية للقوانين الجديدة إلا إذا صُمّمت بحيث تعمل كجزءٍ من منظومة القوانين الأخرى التي ترتبط بها عضوياً. من ذلك أن القوانين الاقتصادية، على سبيل المثال، لا يكتب لها النجاح إلا إذا اعتمدت نسق التكامل و التجانس مع عداها من القوانين. من هنا، على الكلية أن تلعب دوراً فاعلاً لضخّ شيءٍ من الرشد في العملية التشريعية في البلاد، للحدّ من التدهورٍ التشريعيّ المقلق و الملحوظ.

DSC_3904

صورة (4)

فــرصٌ ممكنــة: استغــلال المــتاح و الانتبـاه للمُهمَــل

(1) تعتمد كلية الحقوق بشكلٍ تامٍ على الجامعة كمصدرٍ ماليٍ وحيدٍ، مما يؤثر على ميزانيتها، لا سيما في ظل اشتراطات التقشف و ترشيد الإنفاق. ينبغي مدّ جسور التعاون مع جهاتٍ أخرى يمكن أن تلعب دوراً كبيراً في تمويل أنشطة الكلية و رعايتها (غرفة تجارة و صناعة الكويت، المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، الهيئة العامة للاستثمار، بنك الكويت المركزي، هيئة الاستثمار الأجنبي المباشر، الوقفيات الخيرية، المنظمات الدولية، و عداها). بشيء من التنسيق و ربط المصالح المشتركة، يمكن الاستفادة من هذه الجهات لتمويل العديد من الأنشطة لمصلحة الطلبة (internships/ التدريب / البعثات / دورات اللغات).

(2) رغم تاريخها العريق، إلا أن كلية الحقوق لم تحصل على الاعتماد الاكاديمي حتى الآن، رغم أن الجامعة تدفع كلياتها في هذا الاتجاه، كما يبدو. حقاً، ينبغي جعل الحصول على الاعتماد الأكاديمى لبرامج كلية الحقوق أولوية (سوف يكسب الاعتماد طلبة الكلية قدراً أكبر من التنافسية فى سوق العمل على المستويين المحلى و الدولى).

(3) تُلحق بكلية الحقوق مرافقٌ ذات سمعةٍ طيبةٍ و تاريخ عريق، يجدر التنبّه الى وجوب تطويرها (مكتبة الحقوق / مجلة الحقوق).

(4) ينبغي إعادة الاعتبار للجانب “التنظيري” العميق من المقررات الدراسية و عدم تغليب الجانب العملي. لنسّلم ابتداءً أن للقانون في إطاره العملي علاقة قوية بالممارسة الواقعية في سوق العمل، أي مهنة المحاماة، وهو أمر يعني أن هذه المهنة تمثل عمقاً إستراتيجياً من شأنه أن يعني الحفاظ على الحدود التقليدية للقانون و ربطها بالواقع دائماً. و مع ذلك، فيبدو لي أن طغيان الاعتبارات التي يتطلّبها سوق العمل و انشغال الكلية بمتابعتها قد أثرا إلى حدٍ كبيرٍ على جودة مخرجاتها (يلاحظ أن من ينادون بتغليب الجانب العملي على النظري يسترشدون عادة بالنموذج الأمريكي أو الياباني الذي يربط الأبحاث العلمية بالشراكة مع القطاع الخاص، و لكن الأمر في حقيقته يعود إلى آليات تمويل البحث العلمي هناك، التي تنبع لديهم من القطاع الخاص لا العام، بخلاف الحال مع الكويت). و في الحقيقة، يتمثل الدور الأهم لكليات الحقوق في العالم ككل هو “صنع القادة” و ليس تخريج المهنيين القانونيين فقط. إن هذا المنحى “التطبيقي” قد أدى لتحجيم الدور الفكري القيادي الذي كانت الكلية تلعبه في السابق، بحيث أصبح جلّ ما تطمح إليه الآن هو تخريج المحامين و موظفي الدولة. و لما كان في ذلك طغيانٌ للجانب المهنيّ على الجانب الأكاديمي، فيهمنى أن أؤكد على أهمية أن نذكّر أنفسنا بكوننا مؤسسةٌ أكاديميةٌ لا مهنية، مما يعني ضرورة إعادة الاعتبار لتدريس المناقشات النظرية العميقة للأفكار القانونية الكبرى الكامنة وراء السياسات التشريعية المعاصرة. الخارطة الهندسية (التنظير) يجب أن تسبق البناء دائماً (التطبيق العملي).

(5) لعل واحدٌ من أهمّ الموضوعات المهملة التي ينبغي الالتفات لها هو تفعيل الاتفاقيات الثنائية و مذكرات التفاهم مع الجامعات و المعاهد المختلفة (و هذه موجودة سلفاً و لكن لا يُعرف لها تفعيل و لم تُرَ لها نتائج). الصكوك كثيرة و متناثرة، و بعضها مرّت عليه السنين من دون أن تستفيد الكلية منه شيئاً. صار يجب إعداد سجلٍ بحصرها و رصد ما ورد من امتيازاتٍ للكلية فيها، لتفعيله.

(6) يعتبر التقسيم الكلاسيكي للمعرفة (knowledge) إلى حقولٍ معرفيّة (disciplines) تقليداً جامعياً عريقاً استقر منذ زمن الإغريق القدماء. وهو تقسيمٌ استمر إلى العصور الوسطى، حيث أدى ظهور الجامعات الأوربية و تعقّد المجتمعات الغربية إلى تطوّر هذا التقسيم الكلاسيكي بشكلٍ ترسّخ مع بداية عصر النهضة (renaissance)، و استقر مع تحديد ملامح مجالات العلوم الاجتماعية و الإنسانيات، التي تطوّرت في أواخر القرن التاسع عشر و حتى القرن العشرين، إلى أن أصبحت على الشكل الذي نعرفه الآن. و قد كان السبب في التغيير المستمر لحدود الحقول المعرفيّة و معالمها هو المتطلبات الديناميكية المستمرة للمجتمعات الحديثة ذات الطبيعة المعقدة، و التي تتطلب درجاتٍ أعلى من التخصص. و تجدر الإشارة ضمن هذا السياق إلى أن القانون، بوصفه حقلاً معرفياً مستقلاً، يتميز بخصوصيةٍ واضحةٍ تستعصي أحياناً على التصنيف، إذ من الملاحظ أن الأكاديميين القانونيين – بخلاف زملائهم الباحثين في الحقول المعرفية الأخرى – ليسوا “منتجين” للمعرفة، بمعنى أنهم لا يقومون بتجاربٍ أو يستنبطون معارف تأتي بنتائجٍ نوعيةٍ أو كميّةٍ لم تكن معروفة سلفاً، ولكنهم يدرسون المعطيات الماثلة أمام صانعي القرار، يحللونها، ثم يضعون هذه المعلومات أمام المحاكم، المشرّعين، أو الطلبة في قاعات الدرس. و هو أمر تبرز معه ضرورة الاستناد إلى الحقول المعرفية الأخرى ذات العلاقة، لفهم هذه المعطيات على الوجه الأمثل (لا سيما مخرجات العلوم الإجتماعية كالإقتصاد، علم الإجتماع، العلوم السياسية وما ينتج عنها من نتائج). لذلك، أشدّد دائماً على أهمية دراسة القانون من منظورٍ خارجيّ يدرس علاقة القانون بالحقول المعرفية المذكورة، كالإنسانيات و العلوم الاجتماعية، لا سيما الاقتصاد و علم الاجتماع، و ذلك من خلال الدراسات البينيّة (interdisciplinary studies) التي تمد جسوراً بحثيّة رابطة بين تلك القلاع التخصصيّة المعزولة.

(6) هناك مؤسساتٌ موازيةٌ / رديفةٌ يمكن استغلالها لتوسعة مجال حركة كلية الحقوق (وزارة التعليم العالى، مؤسسة الكويت للتقدم العلمى KFAS، معهد الأبحاث العلمية KISR، المجلس الوطنى للثقافة و الفنون و الأداب و عداها). بشيء من التنسيق المنظّم، يمكن الاستفادة من مقدّرات هذه المؤسسات لخدمة طلبة الكلية في مجالاتٍ كثيرة (للتدريب، التمويل، الفرص الوظيفية، الابتعاث القصير).

الآفاق كبيرة، و المساحات واسعة، و الزمان سانح، و لكن هذه العناصر إن لم يتم استغلالها لخلق الزخمٍ اللازم للتغيير – الذي يبدأ برؤيةٍ ثاقبة، تُتبَع بقراراتٍ شجاعة، يلحقها تحرّكٌ جمعيٌّ منظّمٌ (ينشط فيه الجميع بروح المسئولية دون الاكتفاء بالاعتماد على بضع عناصر نشطة) – فإنها ستكون مجرد فرصٍ مهدرة للتحسّر، لا نتائج محقّقة للفخر.

إلى أن يتم ذلك؛ حتئذٍ و في كل الأحوال – و رغماً عن ترسانتنا الكبيرة من الأعذار و الحجج و الوقت و النُظُم و الانشغالات و الظروف التي تتفاوت بين الأولويات و الرغبة و الملائمة – نعرف جميعاً أن لدى كل واحدٍ منا هامشٌ شخصيٌّ لا بأس به للحركة، لمن يريد التحرّك، من جميع منتسبي الكلية، على اختلاف فئاتهم.

نحن، جميعاً و دائماً، مسئولون.

_________________________________________

* الصورتان (1) و (4) هما بعدسة الطالبة، آنذاك، أسماء خالد السالم، التي اشتَرَكت بها في مسابقة لتصوير كلية الحقوق، كنت قد نظّمتها لطلبتي عام 2007. في إعلان المسابقة، أوردت هذا البند ضمن اشتراطات الاشتراك: “لدينا الكثير من الصور التقليديّة المملّة، لا نحتاج المزيد منها. شكراً”. كانت بعض صور أسماء من الصور الفائزة.

 

 

 

نظرتان في النقاش، و وصفةٌ

قياسي

Horace_Vernet_-_Arab_Chieftains_in_Council_(The_Negotiator)_-_WGA24751

جلسةٌ نقاشيّةٌ لبعض زعماء القبائل العرب
لوحةٌ للفرنسي Horace Vernet، 1834

نظرتان في النقاش، و وصفةٌ

د. مشاعل الهاجري

Mashael.alhajeri@ku.edu.kw

18 يناير 2018

 

(1)

الحوار هو أن تتناقش، فتكون ممنوناً لمن تمكّن من إقناعك بتغيير رأيك، لأنه أهدى إليك معطياتٍ جديدة، لم تتنبّه لها من قبل، فصرت أكثر علما، و أعمق إدراكا. هو لا يتعلق بالكرامة، و لم يكن له شأن بها قط.

أما اللّدد هو أن تتناقش، و أنت تحمى رأيك كمن يذود عن قلعةٍ ورثها عن جدّه السابع، فتحنق على كل من اقترب منها.

للبقاء في سماء النقاش و عدم الانحدار منها إلى هاوية اللدد، ينبغي أن نذّكر أنفسنا دائماً بأن موضوع النقاش هو محض رأي، و الرأي لا يعدو أن يكون زاويةً للنظر نرقب الأمور منها، لا موقع عسكريّ نفديه فنقاتل من دونه.

‏بذلك، ينحدر النقاش من حوار إلى لدد عندما نخلط بين ما ينبغي من مرونة الرأي و ما يجب من ثبات الكرامة. و لكن حوار من يتحرون الحقيقة لا يتعلق بالكرامة، و لم يكن له شأن بها قط.

في الحقيقة، مجرد ربط النقاش بالكرامة هو دليل على أن مدار النقاش شخصي و ليس موضوعي، و هو مؤشر واضح على عدم التجرد، ابتداء.

و هذا، تحديدا ، هو اللدد، الذي – إضافة الى كونه لا يليق بالطرفين – هو محض تضييع للوقت و الطاقة.

 

(2)

النقاشات هي أداةٌ فعالةٌ لتوضيح الرؤى؛ توظيفها لضبط الفكرة هو واحد من أهم فوائدها.

ربما كان ذلك لأن للأفكار طبيعة عنقودية؛ هي تتوالى على إثر بعضها، أو ربما كان من الأدق القول بأنها ذات طبيعة “أميبية”: مثل الأميبا، هي تتكاثر بالإنقسام.

من هنا فإن أفكارنا المتولدة عن النقاشات – حتى العاصف منها – هي شيء أشبه ما يكون بقصائد الرحابنة التي كتبوها لفيروز.

لن نعرف قط ماذا كتب عاصي و ماذا أضاف منصور.

هذا سببٌ آخرٌ لكي أشكّ – أكثر فأكثر – في أسطورة “الملكية الفكرية”؛ هذه التي صدّقناها، فشرّعنا لها القوانين.

 

(3)

وصفةٌ للنّقاش الناجح:

  1. خذ 2 كيلو معلومات صحيحة.
  2. أضف عليها 4 كيلو رؤىً رشيدة.
  3. زِدْ عليها 6 كيلو تجرّد.
  4. ضعها بالثلاجة حتى تندمج المكوّنات.
  5. أخرجها من الثلاجة بعد ساعتين.
  6. تبّلها بـ 500 جرام هدوء، ثم زيّنها برشّة حُسْن نيّة، و رشّة سعة صدر.

صارت الوصفة جاهزةً للتقديم.

بالهناء و الشفاء : )

 

 

الأميّــون الجــدد

قياسي

21743874_10155502952406071_1853668266526566414_o

الأميّــون الجــدد[1]

بيدرو ساليناس

 

ترجمة ثابت خميس (عمان) و مشاعل الهاجري (الكويت)

 

هذه تجربة في الترجمة المشتركة قام بها كل من الأستاذ ثابت خميس (عمان)، و محدّثتكم (الكويت).

ثابت هو أستاذ حقيقي، و قد كان العمل معه تجربة ممتعة.

بيدرو ساليناس Pedro Salinas (1891-1951) هو شاعرٌ و أديبٌ أسبانيٌّ كبير، و من مؤسسي الحركة الشعرية الحديثة في أسبانيا . منذ أكثر من نصف قرن، نشر ساليناس في مجلة اليونسكو (The UNESCO Courier) مقالاً هاماً عن الخطورة المجتمعية للمتعلمين تعليماً سطحياً، أو من أسماهم الأميون الجدد“.  المقال هام، و المرحلة تستدعيه.

في البداية كانت الأمية. و بتعاقب القرون و حمداً للسماء، بزغ نور الفجر تدريجياً حتى يومنا هذا، الذي أصبح فيه التعليم الإبتدائي إلزامياً. معظم الناس، و من ضمنهم العديد من المعلّمين، سيتفقون معي على أن اكتساب مهارات التعلّم، أو بالأحرى القدرة على القراءة، ترسم حداً فاصلاً من الواضح أنه يقسم البشرية إلى مجموعتين مختلفتين كلياً .

في جانب، نجد المجموعة المجهولة من التعساء العاجزين عن فكّ الغموض عن الكلمة المطبوعة مما يبقيهم في الخارج، معزولين عن العالم أجمع كما لو أنهم عالقين على الشاطيء قبالة البحر الذي قد سيأخذهم لأراضٍ عجيبة؛ لو كانت لديهم السفن فقط؛ لمخروا عبابه. و على الجانب المقابل، هناك جحافل ذوي الامتياز، ممن وصلوا لتلك الحالة المباركة التي يعلمون فيها يقيناً بأن (ك) و (و) يصنعان “كو” و أن (ك) و (أ) يصنعان “كا”، و بفضل هذه المعرفة التي تزيل الغموض عن الملصقات التي تعلن عن الكلمة السحرية “كوكا كولا”.

و مع ذلك، فيجب علىّ الإعتراف بوجود شكوكٍ كبيرةٍ في داخلي حول فاعلية هذا التقسيم التعميميّ للبشرية إلى أُمّي وغير أُمّي ، و بالتحديد حيال إستخدامه كمحكٍ لتقييم البشر. الجهل بالقراءة و الكتابة أمرٌ طبيعيّ، فجميعنا جئنا للعالم هكذا. لا أحد وُلد متعلماً. ما أعنيه بهذا هو أن الوضع الطبيعي للإنسان عند الولادة هو الأمية؛ يظل مشروع متعلّم، إلى أن يتعلم القراءة،. و يعود هذا لأسبابٍ عديدة لن أتطرق لها الآن، يقرّر المجتمع تحويل هذه الإحتمالية إلى واقع. بكلماتٍ أخرى، لتحويل قدرة الإنسان الفطرية لفهم الحروف و الرموز إلى إجادةٍ لفن القراءة، يتحقق هذا بأساليبٍ عمليةٍ معقدةٍ بدءً بالبديهيات وصولاً إلى مكانٍ يصعب التكهن به. مع نهاية هذه الجهود، التي يُشار إليها بالتعليم الإبتدائي، يتم الإعلان بفخرٍ أن الهدف أصبح متعلماً، شخصٌ ذي إمتيازٍ رفيع – و هو كذلك دون شك.

نحن متفقون حتى الآن. و لكن القدرة على القراءة ظرفٌ إحتماليٌ له شروطه. أن تكون قادراً على القراءة شيء و القراءة الفعلية شيءٌ آخر. إن لم يقم “المتعلم-حديثاً” بتمرين مهاراته القرائية، فما الفائدة من تعلم القراءة أصلاً؟

نأتي الآن للمرحلة التالية من هذا التحليل للقيمة الحقيقية لمحو الأمية. لنفترض أن مشروع القارئ إتخذ الخطوة التالية و أصبح قارئاً حقاً. هل يعني هذا أن بمقدورنا القول بأن أهداف محو الأمية قد تحققت؟ إطلاقا ! ، فهذه المرحلة تفتتح فصلاً جديداً. أصبح الأميّ متعلماً، و المتعلم صار قارئاً، و القارئ يقرأ . و لكن ماذا و كيف يقرأ هذا الشخص؟ السؤال ذاته يُطرح مجدداً. كل من هو قادرٌ على القراءة من المحتمل أن يكون قارئاً جيداً، و لكن هل سيكون أم لن يكون كذلك؟ إن كان الجواب نعم فيمكننا القول بأن هدف محو الأمية قد تحقّق: القدرة على القراءة جيداً، بهذه الطريقة تتحوّل الكلمة لروح و يصير النص حياة. من الواضح أن الهدف من محو الأمية نادراً ما يتحقق. يجدر بنا أن نلاحظ وجود من أسمّيهم بـ “الأميين الجدد. إنهم الأشخاص الذين أنقذوا أنفسهم من جحيم الأمية الكليّة، إلا أنهم لم يصلوا بعد لعنان سماء القراءة، بل مازالوا يتخبطون في برزخٍ ما في المنتصف.

أنا لا أشير هنا إلى أولئك الذين لا يستطيعون القراءة بسبب نقصٍ في الكتب و المكتبات. هذا النوع من المشاكل العملية من السهل حلّه …. أفكر في أولئك القادرين على القراءة و لكنهم لا يقرأون، لأسبابٍ أكثر تعقيداً و جوهريةً من مسألة عدم وجود كتابٍ في متناول اليد. أقترح أن يتم تمييز نوعين من الأميين. هناك أولاً “الأميّون أمُية بحتة”، أولئك التقليديون، الطبيعيون الذين لا يجيدون القراءة لسببٍ ما. مما يدعو للأسف أن هؤلاء الأشخاص يملكون القدرة على بلوغ الكمال إلا أنهم يفتقرون إلى المحفّزات العقلية لإدراك قدراتهم، مما يجعلهم أسرىً لنقص في المعرفة و الثقافة. أشعر بالإحترام و التعاطف و الإعجاب بهذا الصنف من الأميين. في بلدي، كل ما عليك هو التجوال قليلاً في “قشتاله” أو في بساتين الزيتون في “الأندلس” لتصادف أشخاصاً أميّين ممن إن عرفتهم عن كثب، إكتشفت أنهم على قدرٍ عالٍ من الإنسانية و الإحترام، من تصرفاتهم و من الحكمة في إتخاذ قراراتهم كأي شخصٍ قام بحشو رأسه بمختلف العلوم.

الصنف النوع الثاني من الأميين يمكن وصفهم بالـ “الأميّين أمُيّة هجينة”، المزيّفين، محصلة التعليم الحديث، و التجسيد غير المقصود لأخطاءه. من يعرفون كيف يقرأون، إلا أنهم يبقون أميين رغم كل النوايا الحسنة و الأهداف. أنا أسميهم الأميّــون الجــدد. و هذا النوع من “الُأمية الجديدة” قد يكون جزئياً أو كلياً. فالأميّة الجديدة الكليّة تتمثل بأولئك الذين بعد تعلّمهم القراءة في المدرسة، يختارون عدم إستخدام قدراتهم القرائية إلا إن توجّب عليهم قراءة رسالة أو تفحّص برنامجٍ يُعرض في المسرح أو السينما، أو مراجعة دليل الهاتف. قد يلقي بعضهم نظرةً على الصفحات الرياضية، و هم بهذه الطريقة ينتفعون بشكلٍ من أشكال الصحافة الجديرة بالتقدير حقاً باعتبارها تعطي البعض السبب الوحيد للقراءة … الكثير منهم نشط، و عمليّ و – بإستعارة المصطلح العصريّ الحديث المرتبط بأسرار الهندسة الإغريقية – مفعمٌ بالحيوية …

ثمة أيضاً نوعٌ من الأميين الجدد جزئياً الذي يمكن رؤية أصحابه يحومون حول أكشاك بيع الصُحف كنحلاتٍ طنانة تحوم حول زهرةٍ نضرة، بحثاً عن المقادير التي ستصنع بها عسل حياتها الفكرية. إنهم لا يقرأون الكتب و لكنهم مفتونون بتكاثر المجلات و بمواضيع أغلفتها. هؤلاء أهلٌ للشفقة لأنهم بعيداً عن إعفاء أنفسهم مشقة العناء كقرّاء، فهم في غاية السخاء و الكرم حين يتعلق الأمر بها. يقرأون الأعمال الضعيفة بشراهة، يعودون لمنازلهم محمّلين بالمجلات التي يحرثون فيها بعيونهم لساعات، دون أن يحصلوا بالنهاية على أكثر مما يحصل عليه طفلٌ يلهو بأحجية بانورامية لا يبدو أنها ستنتهي، عاجزين عن رؤية الصورة الكبرى التي يبدو فيها كل شيءٍ في مكانه الصحيح ….

هذا الصنف من القرّاء يثير تعاطفي . كلما قرأ أكثر، كلما جرفة بحر المطبوعات بعيداً في لا نهائيته، البحر الذى يزداد ارتفاعاً بضعة أمتارٍ أسبوعياً . إن قارئ الكتاب يعرف أين تبدأ، و أين تنتهى مهمته، و بذلك فيمكنه أن يسترخى و أن يأخذ إجازة، أما قارئ المجلة – لا سيما إن كان مشتركاً فيها – فإنه يشعر و كأنه ملاحقٌ من قبل هذه الكائنات الأسبوعية، أو نصف الأسبوعية أو الشهرية. فإذا ما تقاعس عنها، فسوف يغرق فى لجة الموج العالى من الأخبار المطبوعة. و كي يظل على إطلاعٍ بـهذه المواد التى تنهمر عليه من المطابع، عليه أن يقوم بمجهودٍ عظيم. هناك مئاتٌ من الكتّاب الذين يدبجون المقالات لمجموعة كبيرة من المجلات، يلاحقونه كقطيعٍ من كلاب الصيد التى لا تعرف الكلل و لا تترك لطريدتها فرصة للراحة.

و يمكن استخلاص عدة نتائج من هذا البوتِريه الناقص، بالضرورة، للأميّة الجديدة:

فأولاً، لا ينبغى أبداً إغفال أن كلمة ”يقرأ” كلمةٌ غامضة، و كذلك هو الأمر، كنتيجة، لتعبيراتٍ مثل “تعلُّم القراءة” و “معرفة القراءة”. إن هذه تعابيرٌ معقدةٌ لا ينبغى أخذها بمعناها الحرفي، السطحىّ باعتبارها تصف، ببساطة، القدرة على فهم المعنى الأوضح للكلمة المكتوبة. ليس هنالك من شكٍ فى أن إجادة هذه التقنية البسيطة تزيح عن كاهل المرء أميّته الطبيعية، فتفتح أمامه آفاقاً واسعة. و مع ذلك، فإن هذه القدرة النفسية إن لم تستخدم على توسعة قابلية الإشباع الروحى، فإن المرء سيجد نفسه فى وضعٍ متناقضٍ إلا أنه واقعيّ على الرغم من ذلك، و هى حالة الأمىّ الذى يجيد القراءة؛ لقد تم انتزاعه من ربقة الأميّة الخالصة و لكن – و لسببٍ يُعزي إلى عدم استعمال مهارة القراءة أو إهمالها فإن آليةً تراجعيةً تبدأ فى العمل و هى – عاجلاً أم آجلاً – سوف تعود به إلى نقطة البداية أو إلى ما هو أسوأ: الأميّة الروحيّة.

رغم أن هذه هي الحقيقه المرّة، فإن أرقام الإحصائيات و القناعات المجتمعية تؤيد الرأي المتوهم بـأن هؤلاء الأشخاص ينبغى أن يُنظر إليهم كمتعلمين، و أنهم ينتمون إلى فئة المحظوظين الذين يقرأون حقاً . فى هذا الشأن، مثلما فى كثيرٍ مما عداه، لا يتردد العالم كثيراً في أن يقبل بنصف حقيقة، بل أنه يرحّب بها باحتفاءٍ لا يليق إلا بحقيقةٍ تامة، إلا أن شعوراً غامضاً يغمرنا بأن الجميع ضحيةٌ و معتدٍ في الآن ذاته، بوهم الثقة بالنفس.

إن هذه المجموعة الجديدة تنمو ببطء، و قد حان الوقت لتسميتها و لإعطاء المنتمين لها وضعاً اجتماعياً. أنهم الأميّون الجدد (the neo-illiterates)، و هم على درجةٍ من التأثير و الخطورة تتجاوز كثيراً الأميين أميّة بحتة، فهم يرفضون البقاء في الدرك الأسفل مع الشيطان فى ظلمات الجهل، إلا أنهم لا يطمحون للوصول إلى ضوء المعرفة المقدس. إنهم قادرون على كل شئ، و لا يجازفون بشيء.

وهناك نتيجةٌ أخرى لتنامي أعدادهم: صار لزاماً علينا هجر موقفنا التصنيمي و المذهول تجاه ما يسمى بـ “مكافحة الأميّة”. أن السياسات التعليمية الحديثة إنما تقدس وثناً ملطخاَ بالدماء، فتُضحّى له بكل شئ، رغم عدم وجود أي ضمانات لعبّاده المتلهفين: (مكافحة الأمية). هذه العبارة – التى تُعاد و تكرّر فى الصحف و المجلات و في الخطاب السياسى – تلقي بالذعر فى قلوب الناس ….

قد يشعر بعض قرّائى بالسّخط على هذا المُهرطق الذى يتجرأ على التشكيك بـضرورة مكافحة الأمية. و مع ذلك، فحجتي ستكون، أو قد تكون، ذات أساس متين – و هو التأكيد على أن تعليم الناس كيف يقرأون ليس كافياً فى أغلب الأحيان لينتزعهم من فقرهم الروحى الأساسي أو، و كما قال ت. س. إليوت بأن “التعليم لا ينتج الثقافة إلا فى أضيق الحدود” – إن كانت هذه الحجة في محلها ، فسيُفهم من موقفى أن ما أحاول القيام به هنا هو أن أضخ في هذه العبارة، هذا الشعار، هذا المسعى – “محو الأمية” – دماءً جديدة.

و لا أهدف للتقليل من شأن الجانب المأساوي للأمر، بل على العكس، أرى أننا نواجه عدوين خطيرين، أولهما العدو القديم المألوف (الأميّة البحتة و التقليدية) و الذي نتعرّف عليه بسهولة فنصوّب نحوه أسلحتنا التعليميّة الكبرى، ثم هناك إلى من جانب أخر شكلٌ مختلفٌ لهذا العدو الذي يتخفّى وراء قناع التعليم، فيخدعنا به، و يجعلنا نتصوّر أنه ليس بمشكلة و أنه واحدٌ منا، و بأنه أحد العاملين في مدينة العقل، فيما هو في حقيقته طابورٌ خامسٌ للأميّة البحتة؛ إن العدوّ اللدود حين يصير وسيطاً للكلمة يصبح جزءً من الروح.

بطبيعة الحال لا شك أن تحرير آلاف الأطفال من مخالب الأميّة فى الوقت الحالى بفضل التعليم الإبتدائي أمرٌ جديرٌ بالثناء والتقدير، إلا أنه يتطلب أيضاً رعايةً مكثفة لهؤلاء الأبرياء المحرَّرين لتوّهم من ظلمة الأميّة من تنيّن الجهل الأوّل، فثمة مفاجاةٌ رهيبةٌ تنتظرهم. إن هؤلاء الصغار يبدأون حياتهم و هم مسلّحين بمهارات القراءة و الكتابة الأولى فقط، واثقين من أنهم قد تمكنوا من السيطرة على جهلهم الأوّلي ، ثم يفاجئون لاحقاً بأن غريماً قوياً ينتظرهم عند الزاوية. إن هذه القوى الشريرة سوف تجذبهم إليها فتحوّلهم لمخلوقات بسيطة؛ أميّين جدد يعيشون راضين في أمان الوعي المغيَّب، مستمتعين بملذات الحياة الإستهلاكية التي يوفّرها العصر الحديث، و مع ذلك فهم محكومون بحكمٍ مؤبدٍ للعيش مدى الحياة في شكلٍ مختلفٍ من تخمة الجهل، لا بثمارالبلوط من أشجار “هوميروس” الحكيمة، بل بزادٍ إصطناعي هو المعجزة الأكبر للتطور.

 

 

 

 

 

[1] Pedro Salinas, ‘The New Illiterates’, reproduced in: The Unesco Courier, no. 242, July 1990, pp. 42-45.

تقويمنا الشرق أوسطي بين توبتي غاليليو و كاشغري: أين نقف الآن؟

قياسي

 

تقويمنا الشرق أوسطي بين توبتي غاليليو و كاشغري: أين نقف الآن؟

 د. مشاعل الهاجري

10 يناير 2016

12743763_10153848623086071_6960472190487866562_n[1]

هذا هو نص “توبة” المدوِّن حمزة كاشغري، الذي حُمِلَ على كتابته حتى يتم اسقاط تهمة الردة عنه (2015):

بسم الله الرحمن الرحيم

(ما أصابك من حسنة فمن الله، و ما أصابك من سيئة فمن نفسِك)

“أقر و أعترف أن كل ما وقعت فيه من انحراف في الأفكار و في الأقوال، أو فساد في التعبيرات هو من قبيل الشبهات و الشكوك التي أثرت علي و على عقلي فاتبعتها عن ضعف فأبعدتني عن الصراط المستقيم. و الحمد لله الذي يسر لي من أهلي و إخواني و مشائخي الذين أدين لهم بالفضل من يرشدني إلى الصواب و يدلني عليه، بالكلمة و الموعظة الحسنة، و غفر الله لمن اشتد في القول و كان دافعه الغيرة على دين الله، و كل ابن آدم خطاء و خير الخطائين التوابين. و أنا أعلن توبتي و انسلاخي من كل الأفكار الضالة التي تأثرت بها فأنتجت بعض العبارات التي أتبرأ منها وأعوذ من أن ألقى الله عليها. و أعلن توبتي و تمسكي بالشهادتين، أشهد ألا إله إلا الله وان محمدا رسول الله عليها أحيا وأموت وعليها أبعث. اللهم تقبل توبتي. و إني أرجوكم ألا تعينوا الشيطان علي .. فإن المؤمن ضعيف بنفسه، كثير بإخوانه. أما رسول الله الأكرم، الذي أرجو أن أسير على سيرته في الدنيا، و أن أنال شفاعته في الآخرة، فإن عقيدتي فيه هي قوله تعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم و لكن رسول الله و خاتم النبيين) و عقيدتي فيه قوله تعالى: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتُّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم)، و عقيدتي فيه قوله تعالى: (و ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى) و عقيدتي فيه قوله تعالى: (و إنك لعلى خلق عظيم). و عقيدتي في حبه هي قوله لعمر: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه و ولده و ماله و الناس أجمعين. و ما بدر مني من كلام خلاف ذلك فهو حالات نفسية شعورية اخطأت في وصفها و كتابتها و أرجو أن يغفرها الله لي، لكنها لا تمثل حقيقة عقيدتي في النبي التي هي تبع لما جاء به السلف الصالح عن نبينا عليه أفضل الصلاة و أزكى التسليم”.

– حمزة كاشغري.

* * *

بعد اطلاعي على نص التوبة أعلاه، بدا لي أن هذا النص مألوف، مألوفٌ جداً. اجتهدت في إعمال فكري حتى أتذكر أين قرأته من قبل، لأنني أعرف يقيناً أن هذا النص – رغم حداثته – ليس بالجديد؛ لقد مرّ علي من قبل، و لكن أين؟

بعد أيام، التمعت في ذاكرتي – فجأة – سيرة عالم الفلك الإيطالي غاليليو غاليلي. من هنا، أكتب:

في القرن السابع عشر، بعد إعلان عالم الفلك الإيطالي غاليليو غاليلي عن اكتشافه – خلافاً للتعاليم الكنسية – دوران الأرض كحقيقةٍ علميةٍ و تدليله على أنها تتحرك و ليست ثابتة، و بعد قوله أن الكتاب المقدس لا يصلح مرجعية علمية و انه لا يعدو أن يكون مرجعية روحية فقط، قامت محاكم التفتيش في الفاتيكان بإدانة غاليليو بتهمة الهرطقة الدينية و إخضاعة لمحاكماتٍ عديدة، مضنية، و هو الشيخ المريض الذي تجاوز السبعين من العمر. مع التهديد بالعقاب البدني الفادح الذي يتراوح من التعذيب إلى الحرق، قبل غاليليو التراجع عن جميع أقواله، و التوقيع على توبة مكتوبة أملاها عليه كرادلة المحكمة الدينية.

كان هذا ما أملاه الكرادلة، و وقّعه غاليليو:

“أنا الموقع أدناه غاليليو ابن المرحوم فنسانزيو غاليلي من فلورنسا والبالغ من العمر سبعين عاماً الماثل شخصياً أمام هذه المحكمة أركع أمامكم، يا أصحاب الغبطة والإجلال السادة الكرادلة أعضاء محكمة التفتيش ضد الانحطاط المرتد في جميع الجمهورية المسيحية، وأقسم وأنا أنظر بعيني إلى الكتاب المقدس وألمسه بيدي أنني كنت أؤمن دائماً وأؤمن الآن وسأظل بعون الله مؤمناً في المستقبل بكل تعاليم الكتاب المقدس وما يعظ به ويعلمه وفق مذهب الكنيسة الكاثوليكية المقدسة والكنيسة الرومانية الحوارية، ولكنني رغم تسلمي أمراً من قداسة البابا مفاده أن أتخلى كلياً عن الرأي الكاذب بأن الشمس مركز الكون وأنها غير متحركة وأن الأرض متحركة وليست مركز الكون وأن علي أن لا أتمسك بهذه العقيدة أو أدافع عنها أو أعلمها بأي طريقة كانت مشافهة أو كتابة وبعدما علمت أن العقيدة المذكورة مخالفة لما جاء في الكتاب المقدس قمت بتأليف كتاب وطباعته وفيه بحثت في هذه العقيدة المدانة وذكرت فيه حججاً قوية لإثباتها دون تقديم أي حل صحيح ولهذا السبب اتهمني مكتب قداسة البابا بأن هناك اشتباهاً قوياً بأنني مرتد وكافر وذلك لأنني تبنيت رأياً يقوم على الاعتقاد بأن الشمس ثابتة وهي مركز العالم وأن الأرض متحركة وليست مركزاً للعالم. وبناءً عليه، ولأنني راغب في أن أزيل من تفكيركم يا أصحاب القداسة والغبطة ومن عقول جميع المسيحيين المؤمنين ذلك الشك القوي الذي تتصورونه بحق ضدي وبقلب مخلص وإيمان صادق، أرفض وألعن وأحتقر الأخطاء والهرطقات سالفة الذكر، وبشكل عام كل خطأ آخر أو أي طائفة أياً كانت إذا كانت مضادة للكنيسة المقدسة، وأقسم بأنني لن أذكر أو أؤكد في المستقبل شفهياً أو تحريرياً أي شيء يمكن أن يؤدي إلى احتمال حصول شبهة مماثلة نحوي. كما أعد بأن أبلغ مكتب قداسة البابا أو محكمة التفتيش أو المحاكم العادية في مكان إقامتي عن أي شخص يشتبه في ارتداده أو هرطقته. وفوق ذلك، أقسم وأعد أن أنفذ بشكل كامل ودقيق جميع العقوبات الدينية التي فرضها أو سيفرضها مكتب قداسته عليّ. وفي حال نكوصي – لا سمح الله – عن أي من هذه الوعود والاعترافات وما أقسمت عليه، فإنني أقدم نفسي طواعية لكل الآلام والعقوبات التي فرضتها وأعلنتها التعليمات الكنسية المقدسة والدساتير الأخرى العامة والخاصة ضد من يقترف مثل هذا الإثم، فليساعدني الله وهذا الإنجيل المقدس الذي ألمسه بيدي. أنا غاليليو غاليلي قد اعترفت بأخطائي علانية، وأقسمت ووعدت وتعهدت كما ورد أعلاه، وشهدت بصدق ذلك. و قد كتبت بخط يدي هذه الوثيقة المتعلقة بإعلان تنصّلي من تلك الآثام، وتلوتها تلاوة في روما، دير مينرفا، في هذا اليوم الثاني والعشرين من شهر يونيو عام 1633، معلنا التوبة الكاملة و طالباً الغفران”.

بعد توقيع غاليليو على وثيقة التوبة هذه، و أثناء نزوله من على منصة الاتهام، سمعه القريبون منه يتمتم بصوتٍ خفيض، إنما واثق:

“و لكنها تدور”.

كانت عبارته القصيرة تلك – لا نص توبته الطويل ذاك – هو ما حرّك التاريخ.

و مع ذلك، فما جدوي كل هذا السرد لنا؟ لو كان أحداً هنا يقرأ التاريخ، لما حُمِلَ كاشغري على كتابه نصه أعلاه، الذي لا يعدو أن يكون تناسخاً تاريخيا؛ يُراد به أن يكون ترجمة إسلامية جديدة لنص غاليليو المسيحي القديم، مع إغفال تام لمتغيرٍ تافه، يسمونه “الزمن”.

أربعة قرون؟

و ما أربعة قرون – في تقويمنا الشرق أوسطي الخامل – سوى محض تفصيلٍ بسيط؟

ساعاتــي الإثنـا عشـر كمجنــون

قياسي

ساعاتــي الإثنـا عشـر كمجنــون

بقلم: سيدني كاتز، 1/10/1953

4a8b51ca1dd075a8fc76b1657cac22f1[1] 

ترجمة: د. مشاعل عبد العزيز الهاجري

‏19‏ يناير‏، 2016

  

 

شكرا عطاف المطوع.

في إجازة الربيع، كنت أُملي، و كانت تطبع.

الإجازات فرص، لا حجج.

 

ساعاتــي الإثنـا عشـر كمجنــون[1]

بقلم: سيدني كاتز

1 أكتوبر، 1953

 

مقدمة قصيرة

هذا المقال المنشور في مجلة Maclean’s كان أول معالجةٍ شعبيةٍ لعقار LSD . من يربطون هذا العقار بحقبة الستينات سيتفاجئون عندما يعرفون الطريقة التي كان هذا العقار مصنفاً فيها في أوائل الخمسينات. في تلك الفترة، كان الناس يعتقدون أن عقارLSD  يتسبب في حالة ذهان مؤقت: شيزوفرينا اصطناعية.[2] لذلك، نصح بعض الأطباء النفسيين بأن يقوم أطباءٌ آخرون بتعاطي هذا العقار كوسيلةٍ لتجربة الشيزوفرينا من الداخل. فيما يلي، قمت بترجمة بداية مقال كاتز و نهايته.[3]

هذا التقريرٌ يعرض تجربة محرّر مجلة Maclean’s دقيقة بدقيقة، عندما تناول عقار تجريبي حوّله الى فصاميٍ يخبر الهذيان: كل ما رآه، ما شعر به، ما قاله و ما فعله تم توثيقه بواسطة تسجيلاتٍ صوتيةٍ و صورٍ و شهودٍ ذوي خلفية علمية، إضافة الى ذكرياته الشخصية المُعذَّبة، و التي مازالت تطارده حتى الآن.

* * *

في صباح يوم الخميس، 18 يونيو 1953، تناولت عقارا حوّلني – لمدة إثني عشر ساعة لا تُنسى – إلى مجنون. لاثنتي عشر ساعة، عشت في عالمٍ كابوسيّ اختبرت فيه عذابات الجحيم و نشوة الجنان معاً.

لن أتمكن أبداً من أن أصف ما الذي حدث لي بالكامل خلال رحلتي الى عالم الجنون. في اللغة الانجليزية بأكملها، لا توجد كلمات مصممة لنقل المشاعر التي اختبرتها، أو الرؤى و الأوهام و الهلاوس و الألوان و الأنماط والأبعاد التي كشف عنها عقلي المرتبك.

لقد رأيت وجوه الأصدقاء المألوفين تتحول إلى جماجمٍ خاليةٍ من اللحم و إلى رؤوس ساحراتٍ مرعبات و خنازير و بنات آوى.[4] أما السجادة المنسوجة بتصاميمٍ بهيجة فقد تحولت، تحت قدميّ، إلى كتلةٍ مهولةٍ من المادة الحيّة التي تمور؛ نصفها من الخضار و النصف الثاني من الحيوانات. كانت هناك لوحةٌ عاديةٌ لرأس امرأةٍ و كتفيها رأيتها، دبّت فيها الحياة فجأة. لقد حرّكت المرأة رأسها من جهةٍ الى أخرى، و كانت تنظر لي نظرة فاحصة، فيما كانت تتغير – باستمرار – من إمرأة الى رجل و من رجل إلى إمرأة. أما شعرها و قلادتها، فقد تحوّلا الى عشٍ لآلاف الثعابين الجائعة التي كانت تتقافز لكي تلتهمني. ملمس جلدي تغيّر عدة مرات. بعد أن أمسكت ببطاقةٍ ملونةٍ أحسست بجسدي يختنق تعطشاً للهواء، لأن جلدي تحول الى طلاء. فيما كنت أربّت على كلبٍ أسود، ثقُلَ ذراعي و انبجست منه طبقة كثيفة من الفراء الأسود اللامع.

لقد كنت واقعٌ في قبضة هلوساتٍ مرعبةٍ متكررة، كنت خلالها أشعر بجسدي – و أراه – يتشنج و يتقلص حتى لم يتبقَ منه إلا حجرٌ صلبُ مريضٌ تموضع في الجهة اليسرى من معدتي، محاطاً ببخارٍ أصفرٍ يميل الى الخضرة، انسكب على أرضية الغرفة.

لقد فقد الزمن كل معنى. تقلّصت الساعات الى دقائق، و امتدت الثواني الى ساعات. كانت الغرفة التي تواجدت فيها تتغير مع كل نفسٍ آخذه، و ومضاتٌ غامضةٌ من ضوءٍ ملونٍ كانت تجيء و تروح. مثل المطاط، كانت أبعاد الغرفة تتمدد تارةً و تتقلص تارةً أخرى. الصور، الكراسي، الستائر و المصابيح كانت تتطاير من دون توقف، مثل الكواكب في أفلاكها. أحاسيسي بالشعور، بالشم وبالسمع اختلطت ببعضها البعض؛ بدا الأمر و كأن أحداً قد انتزع الشبكة العصبية لدماغي و المسيطرة على أحاسيسي، ثم أعاد توصيلها من دون اهتمامٍ لسابق تركيبها.

و لكن ساعات جنوني لم تكن مليئة بالرعب و الجنون بالكامل. هناك أحيانٌ راودتني فيها رؤىً من الجمالٍ المبهر، كانت من الهيجان و من الغرابة إلى الحد الذي لا يمكن لأي فنانٍ معه أن يرسمها. لقد عشت في فردوسٍ كانت السماء فيه كتلة من الجواهر المنظومة على خلفيةٍ من الأزرق الزبرجديّ اللامع، و كان لغيومه لون المشمش، و هواؤه مليءٌ بالأسهم الذهبية السائلة و النوافير اللامعة من الفقاعات الملونة، و الدانتيلا المخرّمة المصنوعة من اللؤلؤ و الفضة، غُمُد من أضواء قوس قزح – جميعها تتغير باستمرارٍ في اللون والتصميم و الملمس و الأبعاد، بحيث كان كل مشهدٍ أكثر روعةً من سابقه.

مضى أسبوعان منذ أن قضيت نصف يومٍ كمجنون (لقد بلغ بي الخوف و الحيرة من هذه التجربة كل مبلغ، بحيث أنني ما تمكنت من الجلوس و كتابة سردٍ كاملٍ لما حدث لي إلا الآن. بل حتى هذه اللحظة، فيما أعيش الكابوس مرة أخرى عبر هذه المسافة الآمنة، ما زلت أتوتر و جسدي ينضح بالعرق حتى الآن.

لقد تطوّعت لكي أصبح مجنوناً مؤقتاً من أجل خدمة البحث الطبي القاصد الى تقصيّ إشكالية المرض العقلي. إنها واحدة من مراحل البحث العلمي تلك التي يكون فيها الإنسان هو خنزير غيانا،[5] فالحيوانات لا تستطيع أن تصف مشاعرها.

لقد كان العقار الذي تناولته هو عقار LSD  (Lysergic Acid Diethylamide)، و هو ما يعرف علمياً بقلواني الإرغوت، و هو يتكون من الطبقة السُمّية التي تنبت أحياناً على بذرة حبوب الجودار. منذ سنتين، عندما تم بيع خبزٍ مصنوعٍ من طحين الجودار الفاسد في إحدى القرى الفرنسية، مات كثيرٌ من السكان من التسمم، فيما عانى العديد من هذيان جنونيٍّ شديد. لقد كانت الحالة العقلية التي نجمت عن هذا العقار – الذي تم تحضيره من قبل كيميائيٍّ سويسريّ – تقارب الى درجة كبيرة الشيزوفرينيا الحادة، أكثر أنواع المرض النفسي شيوعاً في كندا و أكثرها جدية. إن حوالي نصف المرضى في مستشفياتنا العقلية يعانون من شكلٍ ما من أشكال هذا العذاب العقليّ الرهيب.

و رغم حقيقة أن علماء النفس قد عرفوا الشيزوفرينيا منذ حوالي خمسين عاماً (و هي التي تسمّى أحيانا الخرف المُبْتَسَر dementia praecox أو الشخصية المنقسمة)، إلا أن معلوماتنا عنها مازالت فقيرة. نحن نعلم أن الضحية يعيش في عالمٍ فوضويٍّ خاصٌ به، يعاني فيه من الهلاوس و الأوهام، و يتأثر منه تفكيره و مزاجه و سلوكه معاً. في بعض الأحيان، يقوم المصابون بالفصام بالانتحار و بالقتل استجابةً منهم لاعتقاداتٍ خاطئةٍ تسيطر عليهم فتتمكن منهم.

أما فيما يتعلق بسبب هذا المرض، فهناك مدرستان رئيسيتان في التفسير. هناك مجموعة أولى – لا سيما مدرسة التحليل النفسي – تميل الى الاعتقاد بأن المصاب بالفصام هو شخص لا يستطيع التأقلم مع صعوبات الحياة فينسحب لذلك الى عالمٍ فانتازيّ من صنع خياله. و هناك مجموعة ثانية تذهب الى أن الشيزوفرينيا هي نتيجة مباشرة لاضطراب اسْتِقْلابِي،[6] تصاب فيه الغدد الداخلية بخللٍ تُربِك معه كيمياء الجسد. و هم يَشِكّون أن المذنب في ذلك هو نظام الغدد الأدريناليني الذي – بطريقةٍ معقدةٍ ما – ينتج مادة سامة تتسبب بالجنون.

إلا أن هذه النظريات ليست حاسمة بالضرورة، فالدكتور هانس سلاي Dr. Hans Selye العالم في جامعة مونتريال أظهر كيف أن التوتر و الإنهاك يمكن أن يؤثرا على وظائف الغدد الداخلية، بما فيها الغدد الأدرينالينية، بحيث أنها قد تنتج مجموعة مختلفة من الأمراض بما في ذلك المرض العقلي.

من خلال خلق حالةٍ مثل الشيزوفرينيا خلقاً اصطناعياً في الإنسان الطبيعي – مثلما كان الأمر في حالتي – فإن الباحثين يأملون بالعثور على إجاباتٍ لجملةٍ من الأسئلة المحيرة. فالمحللين النفسيين يرغبون أن يعرفوا كيف يشعر مريض الفصام؟ ماذا يرى؟ بماذا يفكر؟ كيف يفكر؟ ماهي أفضل طريقة لمساعدته من قبل مُعالِجه؟ إن هذه الاجابات لا يسهل الحصول عليها من قبل المريض المصاب بالفصام المزمن، إذ عادة ما يكون لديه القليل من التبصر، و ربما خلى منه كليةً، كما أنه يصعب التواصل معه عادة.

و يبحث المتخصص في الكيمياء الحيوية عن معلوماتٍ يمكن أن تساعد في إيجاد علاج للشيزوفرينيا بالنهاية: ماهي المادة السامة الموجودة في مريض الفصام والتي يخلو منها جسد الإنسان العادي؟ لو أمكن التعرف على هذه المادة، فإنه من المتصور أن عنصراً كيميائياً ما يمكن أن يصنّع لتعويض هذا النقص، تماماً مثلما أن البنسلين و الأوريومايسين يمكن أن يقضيا على أنواعٍ معينةٍ من الالتهاب. إن ذلك لمما يمكن أن يقود، نظرياً، الى علاج نصف مرضانا العقليين.

بعد أن وصلت تجربة الـ LSD إلى نهايتها أخيراً، وبعد ليلة من الهياج المشفوع بنومٍ خالٍ من الأحلام، كنت أتضوّر جوعاً. أخذت حماماً و لبست ملابساً نظيفة، ثم مررت على مايك كيسترتين (Mike Kesterton) و بعدها أخذنا سيارة أجرة الى ويبيرن (Weyburn). مشيت في الشارع أتطلّع في وجوه المارة و و أطالع واجهات المحلات، مبتهجاً بكوني قد عدت مرة أخرى الى أرض الأحياء. ذهبنا الى المطعمٍ، حيث قضيت هناك على كمياتٍ كبيرةٍ من عصير البرتقال و البيض و الخبز و القهوة. لم يكن قط الطعام أكثر لذة. فكّرت في زوجتي و أطفالي، ثم ذهبت الى الدكّان لأشتري لهم بعض الهدايا.

تحولت أفكاري الآن الى المرضى في مستشفى الأمراض العقلية. لقد كنت محظوظاً، فقد احتملت عذابات الجحيم لإثنتي عشر ساعة فقط، و أنا الآن حر. و لكن ماذا عنهم؟ لقد عانى كثير منهم من المرض العقليّ لمدة خمس، عشر، و حتى خمسة عشر عاماً. كيف تبدو لهم الساعة المفردة المُعذّبة؟ يوم؟ شهر؟ سنة؟ أبدية؟

عدت الى المستشفى و مشيت في أجنحته وحيداً. في الماضي، قضيت في مستشفيات الأمراض العقلية الساعات الطوال بصفتي طالب علم نفس في مجال البحث الاجتماعي و مراقِبٌ في الآن ذاته. ولكنني، في هذا اليوم، رأيت كل شيءٍ بعينين مختلفتين. هناك مريضً بالفصام طويل البنية مشى باتجاهي،  قبض على يدي لبضع لحظات ثم، و من دون أن ينبس ببنت شفة، مضى بعيداً. تذكرت كيف كنت قد قبضت أنا بدوري على يد أوزموند (Osmond) بشكلٍ يائس. من أي دوامةٍ لا قرار لها كان هذا الرجل يهرب؟ كان هناك شاب أشقر في أواخر العشرينيات يقف في حالةٍ أشبه بالغيبوبة، يحدق في ظلٍ على الحائط، مع ابتسامة نشوةٍ تجمدت على وجهه. كم مليون ميلاً كان يبعد عنا؟

 

أملٌ جديدٌ لفاقدي العقل؟

مريضٌ آخر، بوجه يطفح باليأس أخبرني أن سحليةً كانت تعيش في أرجوحةٍ وسط صدره. لقد أنجبت ثلاث سحالي صغار زحفت الى رأسه و أكلت كل دماغه. أي عزاءٍ يمكنني أن أقدّم له؟ هل يمكنني أن أخبره بأن كل هذا هو محض تلفيقٍ من خياله، فيما كان هو يرى الوحوش بألف لونٍ و بُعدٍ و يحس فعلاً بأدنى حركةٍ لها؟ ليس هناك أي تجربةٌ حقيقةٌ لشخصٍ عاديٍ يمكن أن تضاهي شعور هذا المريض بالواقع.

من الزاوية البعيدة للقاعة، كان يمكنني أن أسمع الغناء الرهيب لمريضٍ بالفصام، يعيد مضطرباً:

احترق، أيها الجسد اللعين

احترق أيها الجسد اللعين

احترقي ايتها الأرجل اللعينة

احترق أيها البطن اللعين

احترق أيها الجسد اللعين …

في أي زاويةٍ من الجحيم كان يعيش؟ أي رعبٍ سكن فيه؟ بحداثة تجربتي العائدة الى الأمس، كان يمكنني أن أتخيل ما يمكن أن تكون. في تخيلي هذا، كنت أجفل من الألم.

تركت ويبيرن (Weyburn) مع شعورٍ بالاستعجال. ان نصف طاقتنا السريرية بالمستشفى كانت ملأى بالمرضى العقليين، و نصف هؤلاء كانوا يعانون من الشيزوفرينيا. ما زلنا لا نعرف سبب هذا المرض حتى الآن، و مع ذلك فلدينا أسبابٌ وجيهةٌ للشك بأنه ربما كان يُعزى الى خللٍ في كيمياء الجسد. إن بضع نقاطٍ من العقار غيّرتني، أنا الشخص الطبيعي، فجعلت مني مجنونا، أفلا يمكن إذن أن يكون المصاب بالفصام هو شخصٌ ذو جسدٍ يصنع باستمرار جزيئاتٍ صغيرةٍ من مادة سُمّية مماثلة؟

إن كان الأمر كذلك، فلا يمكن للعلم الا أن يأمل بالتعرّف على المشكلة و التصدّي لها عندما يتوفر التمويل للبحث العلمي بالملايين، و ليس بالآلاف كما هو الوضع حالياً. ينبغي أن نصر على أن يُكرّس – فوراً – الأفضل من أطبائنا و فنيينا و مختبراتنا لإنقاذ مرضى الفصام من هذا الجحيم الأبدي. ليس هناك من هدفٍ أشد ألحاحاً و لا أكثر إنسانية.

أنا أعرف.

 

 

[1] Sidney Katz, ‘My Twelve Hours as a Madman’, Maclean’s magazine, 1 October 1953.

[2] الشيزوفرينيا (Schizophrenia): الفصام.

[3] يمكن الاطلاع على المقال الأصلي هنا: http://www.macleans.ca

[4] Weasel، في النص الاصلي.

[5] يقصد أنه أصبح حيواناً للتجارب.

[6] خللٌ في عملية الأيض (metabolic disorder).

كيف تُرسَم الشرعية: لوحة تتويج نابليون بونابرت نموذجاً

قياسي

كيف تُرسَم الشرعية: لوحة تتويج نابليون بونابرت نموذجاً

د. مشاعل عبد العزيز الهاجري

21 أغسطس 2015

Louvre31[1]

إضافة إلى دورها في خلق الذائقة الجمالية الرفيعة، تمثل اللوحات الفنية الكلاسيكية مدخلاً ممتازاً لفهم التاريخ و السياسة، بل و القانون أيضاً. لوحة “تتويج نابليون بونابرت” هي مثال جيد على ذلك (The coronation of Napoleon Bonaparte).

في هذه اللوحة التي رسمها رسام الثورة الفرنسية جاك لوي دافيد بإيعاز من بونابرت نفسه،  جُعل الحاضرون لحفل التتويج جزء من آلة خلق الشرعية المشبوهة لهذا الإمبراطور الجديد. كان نابليون نفسه من طلب من الرسام دافيد إدراج رسائل سياسية مدمجة في اللوحة بما يسوّغ تتويجه الغريب كإمبراطور في ظل نظامٍ جمهوريٍ ثوري (و هو السبب الذي كان أعداؤه من النظم الأوروبية الملكية يسمونه من أجله “مغتصب السلطة” The Usurper).

كان من تعليمات نابليون للرسام دافيد، مثلاً، أن يُظهر والدته في اللوحة (السيدة في الشرفة) ليوهم الشعب بمباركتها لمسيرته، و هي التي تغيبت عن حفل التتويج أصلاً فلم تحضره لغضبها عليه و على خياراته السياسية.

انتبه أيضا لشبيه يوليوس قيصر (الرجل القصير الذي يبدو خلف نابليون): هو يظهر في الصورة بغرض استدعاء قيصر الى الذاكرة بهدف تصنيف نابليون في مرتبة كبار قادة التاريخ و وضعه في مصاف قيصر من حيث المجد العسكري، مع إظهار نابليون – و هو المعروف بقصر قامته – أطول منه، في إشارةً غير بريئة على تفوقه على قيصر من حيث العظمة.

كما أن نابليون يظهر في الصورة مديراً ظهره للبابا الجالس على الكرسي الرسولي، ليغمز من قناة الكنيسة من طرفٍ خفي، و ليؤكد أنه لا يستمد سلطته منها، مرسخاً بذلك فكرة فصل الدين عن الدولة و عدم امتداد سلطة البابا إلى الحكم الفرنسي.

(اما الفتاتان اللتان تحملان أطراف فستان الإمبراطورة الراكعة جوزفين زوجة نابليون فهما شقيقتا نابليون اللتان حضرتا الحفل كارهتان بسبب بغضهمها لزوجة أخيهما، فقد أجبرهما نابليون على الحضور ليظهر أسرته أمام الشعب كاسرة سعيدة و متحابة).

في الحقيقة، الرموز و الرسائل السياسية في هذه اللوحة / البروباجندا كثيرة، و لكن لا مجال لسردها كلها في هذه العجالة.

الشاهد هنا هو أن تاريخ الفن هو مجال ممتعٌ جداً للقراءة و الإطلاع، و مسارٌ رفيع نحو المعارف المتداخلة.

سابقة. إن مرّت، فستكون جميع حدائق الكويت مهددة بالزوال

قياسي

 سابقة إن مرّت، فستكون جميع حدائق الكويت مهددة بالزوال

11873999_10153477958581071_742042254_n[1]

إلى من يهمه الأمر،

نلفت نظركم إلى ما يجري حاليا في حديقة جمال عبد الناصر بالروضة. فقد تم بالأمس وضع علامات تحديد مساحة مستطيلة و كبيرة من أرض الحديقة لإقامة بناء يخصص لأغراض نفعية يمكن إقامته في اي مكان آخر، إضافة إلى  قطع ما في وسط هذه المساحة من  أشجار النخيل قطعاً بالفأس، بدلاً من اقتلاعها (علماً بأن أشجار النخيل هذه ما زالت في حالة جيدة و و قلبها ما زال ندياً و به رطوبة). منذ متى كان النخيل يقطع بالفأس في الكويت؟

اما المفارقة الحقيقية، فهي أن يحدث ذلك في نفس اليوم الذي تقرر فيه وزارة الشئون إشهار “جمعية أصدقاء النخلة” :

https://www.kuna.net.kw/ArticleDetails.aspx?id=2456071&Language=ar

و يتم كل ذلك في جوٍ من الصمت المطبق و التجهيل التام (مع استغلال هدوء الصيف و سفر كثير من أهالي المنطقة الى الخارج)، حيث لا يوجد في المكان أية لافتة او يافطة أو إعلان يشير إلى طبيعة المشروع و الجهة المسئولة عنه، كما يليق بحق المواطن في الوصول إلى المعلومة الموقعية. كما أننا اتصلنا بعدة جهات في المنطقة و جميعهم نفوا أي علم لهم بالموضوع.

(انظر الصور أدناه).

و لما كنا مجموعة من أهالي منطقة الروضة الغيورين، فإننا نسجل استياءنا الشديد من ذلك، إذ من الملاحظ أن هذه الحديقة يتم الاقتطاع من مساحتها لأغراض مختلفة ، ربحية تارة و غير ربحية تارة أخرى، تدريجيا و بهدوء. و هو امر غير مقبول لنا، من حيث أن هذه الحديقة لها قيمة تاريخية كبيرة لدولة الكويت و دور بيئي مهم باعتبارها المتنفس الوحيد لأهالي منطقة الروضة. كما ان الامر لا يستقيم مع صدور قانون حماية البيئة الجديد رقم 42 لسنة 2014، و المعني بحماية المساحات الخضراء، لا الانتقاص منها.

لذلك، نرجو مخاطبة الهيئة العامة للزراعة و الثروة السمكية للتفضل بإصدار الأمر لمن يلزم بوقف أعمال البناء فوراً لرفضنا القاطع لتشييد أية مبانٍ على أرض الحديقة، و لمنع الاقتطاع من مساحة الحديقة المحدودة أصلاً.

و يتضاعف استياؤنا إذا ما تذكرنا الحالة المزرية للحديقة و إهمالها، رغم إلحاحنا و رغم مطالباتنا المتكررة لسنوات.

هذه سابقة، إن مرّت، فستكون جميع الحدائق في بلادنا مهددة بالزوال، تدريجياً، من خلال اتباع الأسلوب نفسه.

و لذلك، و بكل الاحترام، نرجو من الجهات المختصة وقف اعمال البناء في الحديقة فوراً، فحدائق الكويت ينبغي ان تظل للغرض المخصصة له: حدائق، و حدائق فقط.

مع التحية و التقدير،

مجموعة من أهالي منطقة الروضة

11873999_10153477958581071_742042254_n[1]

11909586_10153477958611071_135545771_n[2]

6  11911857_10153477958656071_2137491879_n[1] 11924673_10153477958631071_1454106849_n[1]  11880952_10153477958526071_1316726188_n[1] 4 5 - Copy